وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِيننَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا وقال التُّورِبِشْتِي (?): قد روي هذا الحديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من غير هذا الوجه الذي أوردناه، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اللهم متِّعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني). أقول: وهذا يؤيد الوجه الثالث.
ثم قد ذهب بعض العلماء في تأويله إلى أن المراد بالسمع والبصر أبو بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما-، واستدلوا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا غنى بي عنهما [إنهما] في الدين بمنزلة السمع والبصر في الرأس)، وبقوله: (هذان بمنزلة السمع والبصر)، فكأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا بأن يمتع بهما في حياته وأن يرثاه خلافة النبوة بعد وفاته، ولكن الحديث المذكور في الكتاب لا يحتمل ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) الثأر في الأصل: الغضب، من الثور بمعنى الهيجان، أي: قوّنا وأقدرنا على أن ندرك ثأرنا ممن ظلمنا، ويستعمل الثأر في الغالب على طلب الدم من القاتل، والمراد: اجعل ثأرنا مقصورًا على من ظلمنا حتى لا نأخذ غير الجاني كما كان في الجاهلية يقتلون جماعة لواحد، أو غيرَ من قتل من أقربائه.
وقوله: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) إنما قال كذلك لأن أصل الهم في الدنيا لا بد منه، ولا يخلو عنه أحد.
وقوله: (لا مبلغ علمنا) تلميح إلى قوله سبحانه: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: 29 - 30].