قَالَ: دَعْنِي؛ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيالٌ لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُك؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَولِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّهُ سَيَعُودُ"، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، إِنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرُبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كذُوبٌ، وَتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَان". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2311].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (إنك تزعم) صحح بكسر (إن) وفتحها، والكسر أظهر؛ فإن الفتح يوهم أن الزعم يكون ثلاث مرات، وليس كذلك، فافهم.
وقوله: (أما إنه قد صدقك) في هذا القول (وهو كذوب) في سائر أحواله.
وقوله: (ذاك شيطان) أي: شيطان من الشياطين، ولا يلزم أن يكون إبليس نفسه، ثم إنه يحتمل أن تكون آية الكرسي محفوظة له، أو كانت هذه الخاصية له معلومة من غير أن يحفظها كلها، واللَّه أعلم (?).