وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 34].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إحسان اللَّه إليه، ولا يكون الرضا باللَّه تعالى إلا مع الفهم، ولا يكون الفهم إلا مع النور، ولا يكون النور إلا مع الدنو، ولا يكون الدنو إلا مع العناية، فلما سبقت لهذا العبد العناية خرجت له العطايا من خزائن المنن، فلما واصلته أمداد اللَّه تعالى وأنواره؛ عوفي قلبه من الأمراض والأسقام، فكان سليم الإدراك، فأدرك لذاذة الإيمان وحلاوته لصحة إدراكه وسلامة ذوقه، ولو سقم قلبه بالغفلة عن اللَّه لم يدرك ذلك، لأن المحموم ربما وجد طعم السكّر مرًّا، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فإذا زالت أسقام القلوب أدركت الأشياء على ما هي عليه، فتدرك حلاوة الإيمان ولذاذة الطاعة ومرارة القطيعة والمخالفة، فيوجب إدراكها لحلاوة الإيمان اغتباطها به وشهود المنة من اللَّه عليها، وتطلب الأسباب الحافظة للإيمان والجالبة له، ويوجب إدراك لذاذة الطاعة المداومة عليها وشهود المنة من اللَّه فيها، ويوجب إدراكها لمرارة الكفران والمخالفة التركَ لهما والنفورَ عنهما وعدمَ الميل إليهما، فيكمل الترك للذنب وعدم التطلع، وليس كل متطلع تاركًا، ولا كل تارك غير متطلع، وإنما كان كذلك لأن نور البصيرة دله على أن المخالفة للَّه تعالى والغفلة عنه سمٌّ للقلوب مهلك، فنفرت قلوب المؤمنين عن مخالفة اللَّه تعالى كنفرتك عن الطعام المسموم.
وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وبالإسلام دينًا) لأنه إذا رضي بالإسلام دينًا فقد رضي بما رضي به المولى، واختاره بقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وإذا رضي بالإسلام دينا فمن لازم ذلك امتثال أوامره، والانكفاف عن وجود زواجره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وبمحمد نبيًا) فلازم من رضي بمحمد نبيًّا أن يكون له وليًّا، وأن يتأدب بآدابه، وأن يتخلق بأخلاقه؛ زهدًا في الدنيا وخروجًا عنها، وصفحًا عن الجناية،