وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 869].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معناه حقيقة، والميم فيه زائدة عند الخطابي والأزهري وغيرهما، و [هي] ميم (مَفعِلة)، وهو نحو ما ذهب إليه الأصمعي في أحد تفسيريه المختلط بقوله: مَخْلَقة ومَجْدَرَة، وقال لي شيخنا أبو الحسين عن أبيه: هي أصلية وزنها (فَعِلَّة)، من مأنتُ: إذا اشعرتُ، أي: أنها مشعرة بذلك، وهذا على أحد تفسيري الأصمعي في قوله: علامة، وقال الخطابي: مئنة (مفعلة) من الأنِّ، وذكر بعضهم أنها مبنية من إنِّية الشيء بمعنى إثباته، وقولهم فيه: إنه كذا. وحكى الجياني أنه مما يتعاقب فيه الظاء والهمزة، وأن مئنة ومظنة بمعنى واحد، كان الهمزة عنده مبدلة من الظاء.
وقوله: (واقصروا الخطبة) بهمزة الوصل من نصر، في (القاموس) (?): قصره يقصره جعله قصيرًا، وقد روي من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يقصر الخطبة، كما روى أحمد وأبو داود أنه قال بعد ما أثنى على ربه: (أيها الناس! لن تفعلوا ولن تطيقوا كل ما أمرتكم به، ولكن سددوا وأبشروا)، ولعل الوجه في قصر الخطبة أنه يكفي للمتيقظ كلمة خصوصًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث كان مصدر جوامع الكلم، ومظهر غرائب الحكم، وفي ذلك تنبيه منه -صلى اللَّه عليه وسلم- للأمة على أن يسعوا في طاعة اللَّه وعبادته، ويشتغلوا بتهذيب نفوسهم، وفي وعظ الناس مظنةُ العُجْب، وعدم موافقة القول بالفعل، وأن يقال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، فأرشد الأمة بذلك قولًا وفعلًا. وقال الطيبي (?): الصلاة هي الأصل والخطبة فرع عليها، ومن القضايا الفقهية أن يؤثر الأصل على الفرع.
وقوله: (وإن من البيان سحرًا) يتضمن هذا مدحًا للبيان وذمًّا له، فإن له تأثيرًا في القلوب وصرفها وإمالتها إلى جانب كالسحر يؤثر في النفوس، فإن صرفها إلى جانب