لو نظرنا في السورة كلها لم يذكر الله تعالى فيها الشيء ونقيضه أبداً وإنما جاء بالشيء وما يتضمّنه كما في قوله تعالى (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)) والرشد ليس مقابل الشر وإنما الخير مقابله والرُشد جزء من الخير، وكذلك قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)) قال دون ذلك مقابل الصالحون ولم يقل الطالحون (دون ذلك) يمتد في ما هو أقل صلاحاً إلى الفاسد، وكذلك في الآية موضع السؤال القاسطون ليست مقابل المسلمون وإنما مقابلها اكافرون لكن كل قاسط كافر وليس كل كافر قاسط فذكر ما يتضمن لأن القاسطون جزء من الكافرين. وكذلك في قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)) ولم يقل وأما القاسطون فلم يتحروا رشدا وإنما قال تعالى (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) وكذلك في استعمال القاسطون مقابل من أسلم في الآية السابقة.
فهذا إذن سمت السورة كما في قوله تعالى (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)) والنفع مقابل الضُرّ وليس الرشد وكذلك قوله تعالى (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)) لم يقل بعيد وإنما قال أمدا والأمد هو الأجل. فكل السورة ليس فيها شيء ومقابله وإنما يأتي بالشيء ونقيضه أما لماذا؟ أولاً لأن فيها بيان عِظَم جُرم القاسطين. (يتبع) .