كان يقتضي إبراز بعض تعليمات الدين، وتوجيه عناية أكبر لها، ووضعها في المكان الأول، ووضع تعليمات أخرى في مرتبة غير أساسية، وإذا حدث هذا فمعناه: أن الموازين الدينية والتعاليم الأخلاقية في الإسلام آخذة في التحول، وأن هذا التحول يتجه نحو تقريبه من الموازين الغربية في الأخلاق، التي هي في الوقت نفسه متمثلة في التعاليم الأخلاقية للكنيسة المسيحية1.
4- ولقد شن المبشرون والمستشرقون وغيرهم من أعداء الإسلام حملة شديدة على القرآن الكريم، وكان أول همهم أن يبحثوا لأوروبا عن سلاح غير أسلحة القتال لتخوض المعركة مع هذا الكتاب الذي سيطر على الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة، وجعلها أمة واحدة، تعد العربية لسانها، وتعد تاريخ العرب تاريخها، وقد لخص "وليم غيفورد بلغراف" الإنكليزي -الذي سُمّي "الحرباء" بسبب تحوله إلى راهب يسوعي بعد أن كان قسًّا بروتستانتيًّا، ثم عاد بعد ذلك إلى بروتستنتي كما كان -لخص "بلغراف" هذا عداء الغربيين للقرآن في كلمته المشهورة: "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه"2.
ويقول أحد المبشرين "جون تاكلي": "يجب أن نستخدم كتابهم -أي: القرآن الكريم- وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تمامًا. يجب أن نُرِي هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا"3.