إلى شيوع روح الانهزام الفكري، وضياع روح الاعتزاز بالشخصية الإسلامية، لدى فريق ممن تخرج على أيدي أساطين الاستعمار ووفق خططه ومناهجه، وكان هؤلاء المتخرجون الذي سرعان ما تسلموا من أيدي أساتذتهم ومدربيهم زمام القيادة الثقافية والاجتماعية، أول الداعين إلى هذه التبعية الثقافية، والعاملين على نشرها والترويج لها.. بل لقد فرضوها -بما لهم من سلطة ونفوذ- في البلاد الإسلامية، واستطاع هؤلاء الذين فقدوا كل السمات الأصلية التي تربطهم بعقيدتهم وأمتهم أن يتولوا عن المستعمرين مهمتهم، وينشطوا لتحقيق أغراضهم، فأثاروا حملة التشكيك في مبادئ الإسلام وأوردوا الشبهات حول كثير من أحكامه، وحرصوا على أن يحجبوا الثقافة الإسلامية عن أبناء الإسلام؛ ليظلوا جاهلين بالحقائق الناصعة الكبرى التي جاءت بها رسالة الإسلام، وليتاح لهم -بسبب هذا الجهل بالمقومات الذاتية- أن يغرسوا المثل الغربية المادية والفكر المسموم والثقافة الدخيلة، وانفرد هؤلاء بالتخطيط التربوي ورسم السياسة التعليمية في كثير من البلاد الإسلامية، يحاولون أن يصبغوا الجيل المسلم -بتفكيره وأسلوب حياته- على أساس القوالب الغربية المحضة. وفقد -نتيجة ذلك- المقياس الصحيح والقوي للحكم على الأشياء، فأصبح بعض المسلمين يردد -ببلاهة وضياع شخصيته- كلمات الرجعية والتقدمية والتطور والتجديد، ويحاول أن ينقل التجارب الخاصة بالغرب وحده إلى الجو الإسلامي نقلاً تامًا دون تمحيص أو تمييز.. وانتشر الإلحاد والانهيار الخلقي.. وأخذ التقليد لأعداء الإسلام صوة التشبث التام بأسس الثقافة الغربية والحضارة المادية.. بل لقد بلغ الإسفاف في هذا التقليد حد الذوبان الكامل في بعض تفاهات المجتمع الغربي وأوضاعه التي يشكو هو منها وصح في هؤلاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سَنَنَ من قبلكم، شِبرًا بشبرٍ، أو ذراعًا بذراع، حتى لو دخل أحدهم جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015