فَجعلُوا أهل الْجنُوب كلهم السودَان من ولد حام وارتابوا فِي ألوانهم فتكفلوا نقل تِلْكَ الْحِكَايَة الْوَاهِيَة وَجعلُوا أهل الشمَال كلهم أَو أَكْثَرهم من ولد يافث وَأكْثر الْأُمَم المعتدلة وَأهل الْوسط المنتحلين للعلوم والصنائع والملل والشرائع والسياسة وَالْملك من ولد سَام
وَهَذَا الزَّعْم وَإِن صَادف الْحق فِي انتساب هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ ذَلِك بِقِيَاس مطرد إِنَّمَا هُوَ أَخْبَار عَن الْوَاقِع لِأَن تَسْمِيَة أهل الْجنُوب بالسودان والحبشان من أجل انتسابهم إِلَى حام الْأسود وَمَا أداهم إِلَى هَذَا الْغَلَط إِلَّا اعْتِقَادهم أَن التَّمْيِيز بَين الْأُمَم إِنَّمَا يَقع بالأنساب فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن التَّمْيِيز للجيل أَو الْأمة يكون بِالنّسَبِ فِي بَعضهم كَمَا للْعَرَب وَبني إِسْرَائِيل وَالْفرس وَيكون بالجهة والسمة كَمَا للزنج والحبشة والصقالبة والسودان وَيكون بالعوائد والشعار وَالنّسب كَمَا للْعَرَب وَيكون بِغَيْر ذَلِك من أَحْوَال الْأُمَم وخواصهم ومميزاتهم فتعميم القَوْل فِي أهل جِهَة مُعينَة من جنوب أَو شمال بِأَنَّهُم من ولد فلَان الْمَعْرُوف لما شملهم من نحلة أَو لون أَو سمة وجدت لذَلِك الْأَب إِنَّمَا هُوَ من الأغاليط الَّتِي وَقع فِيهَا الْغَفْلَة عَن طبائع الأكوان والجهات وَإِن هَذِه كلهَا تتبدل فِي الأعقاب وَلَا يجب اسْتِمْرَار سنة الله فِي عباده {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} وَالله وَرَسُوله أعلم بغيبه وَأحكم وَهُوَ الْمولى الْمُنعم الرؤوف الرَّحِيم