مَرضه خرج بَين الْفضل بن الْعَبَّاس وَعلي بن أبي طَالب حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس من كنت جلدت لَهُ ظهرا فَهَذَا ظَهْري فليستقد مني وَمن كنت شتمت لَهُ عرضا فَهَذَا عرضي فليستقد مِنْهُ وَمن أخذت لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فليأخذ مِنْهُ وَلَا يخْشَى الشحناء من قبلي فَإِنَّهَا لَيست من شأني ثمَّ نزل وَصلى الظّهْر ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر فَعَاد إِلَى مقَامه فَادّعى عَلَيْهِ رجل ثَلَاثَة دَرَاهِم فَأعْطَاهُ عوضا ثمَّ قَالَ إِلَّا أَن فضوح الدُّنْيَا أَهْون من فضوح الْآخِرَة ثمَّ صلى على أَصْحَاب أحد واستغفر لَهُم ثمَّ قَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده فَبكى أَبُو بكر ثمَّ قَالَ فَدَيْنَاك بِأَنْفُسِنَا ثمَّ أوصى بالأنصار وَكَانَ فِي أَيَّام مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا انْقَطع ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا أذن بِالصَّلَاةِ أول مَا انْقَطع قَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ وتزايد بِهِ مَرضه حَتَّى توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ضحوة النَّهَار وَقيل نصف النَّهَار لأثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول
فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون يَوْم وَفَاته مُوَافقا ليَوْم مولده وَلما مَاتَ ارْتَدَّ أَكثر الْعَرَب إِلَّا أهل الْمَدِينَة وَمَكَّة والطائف فَإِنَّهُ لم يدخلهَا ردة وَقيل دفن يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي يَوْم مَوته وَقيل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَهُوَ الْأَصَح وَقيل بَقِي ثَلَاثًا لم يدْفن وَكَانَ الَّذِي تولى غسله عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم ابْنا الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ الْعَبَّاس وابناه يقبلونه واسامة وشقران يصبَّانِ المَاء وَعلي يغسلهُ وَعَلِيهِ قَمِيصه وَهُوَ يَقُول بِأبي أَنْت وَأمي طبت حَيا وَمَيتًا وَلم ير مِنْهُ مَا يرى من ميت وكفن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب ثَوْبَيْنِ صحاريين وَبرد حبرَة أدرج فِيهَا أدراجا وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه تَحت فرَاشه الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ وحفر لَهُ أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ وَأنزل فِي قَبره عَليّ وَالْفضل وَقثم
وَاخْتلف فِي مُدَّة عمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْمَشْهُور أَنه ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَقيل خمس وَسِتُّونَ سنة وَقبل سِتُّونَ سنة وَالْمُخْتَار أَنه بعث لأربعين سنة وَأقَام بِمَكَّة يَدْعُو الْإِسْلَام ثَلَاث عشرَة سنة وكسرا وَأقَام بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة قريب عشر سِنِين فَذَلِك ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وكسور وَقد رثاه جمع من الصَّحَابَة والصحابيات بمراث كَثِيرَة