(ت) ولذا أرى أنه عند الكلام على شروط الصحيح تنبيه الطلاب أنَّ الاتصال شرط للصحة ما لم تدل قرينة من القرائن على أنَّ هذا الانقطاع لا يضر، والعمدة في ذلك كلام أئمة الحديث وكبار النقاد، كما تقدم في الأمثلة السابقة، والذي أخشى- وقد وقع شيء من ذلك- أن يرد أحدٌ هذا الكلام بالقول بأنّ هؤلاء الأئمة خالفوا قواعد علوم الحديث، لأنَّ المنقطع ضعيفٌ مطلقاً!، ولا يستشعر أنّ هؤلاء الأئمة هم روّاد علم الرواية؟ وعنهم أُخذتْ قواعد علوم الحديث؟ وهم الذين يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم في هذا العلم؟ وكلامهم كما تقدم معلل ومدلل عليه.

وقد قلتُ في كتابي «قَصَصٌ وَنَوادرٌ لأئمةِ الحديثِ المُتقدّمين في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها»: «مما يسر أنّ هناك عودة قوية لدراسة مناهج النقاد من خلال أقوالهم وتطبيقاتهم، وفهم مصطلحاتهم من خلال السبر والتتبع الطويل مع التحليل والنظر، وفي ظني أنّ هذه الدراسات ستقلص من الاعتراضات على النقاد، وتقلل من الاختلاف بين أحكام المعاصرين على الأحاديث وأحكام المتقدمين، وكذلك المعاصرين بعضهم مع بعض. وهذه العودة لدراسة مناهج النقاد .. الخ = هي روح ولُبّ مسألة "منهج المتقدمين في الحديث" والتي -في رأيي- حُمّلتْ ما لا تحتمل، وصُورت على غير حقيقتها التي يدعو إليها الفضلاء، فليس هناك تقليلٌ من قدر المحدثين المتأخرين، وليس هناك تفريقٌ للأمّة، وليس هناك بدعة، بل إنَّ الكلام في هذه المسألة هو بحثٌ في مسائل علمية حديثية دقيقة تتعلق بمصطلحات، وقواعد، ومناهج سار عليها أئمة الحديث المتقدمين، وروّاد هذا الفن، ومن يرجع إليه في هذا العلم، وغالب الخلاف الواقع بين الفضلاء في هذه المسألة من نوع الخلاف اللفظيّ، وطلبةُ العلم فيها بين أجر، وأجرين -إنْ شاء الله تعالى-، والمسألة من مطارح الاجتهاد، ومسارح النظر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015