5. أن هذا التقسيم إنما هو بالنظر إلى منهج الكتابة وطريقة التأليف، ولا يمثل اتجاها عقديا أو مذهبا فقهيا معينا، اللهم إلا أن الغالب على الشافعية ومن معهم سلوك طريقة المتكلمين، وأن معظمهم من المعتزلة والأشاعرة، وأن الغالب على الحنفية سلوك طريقة الفقهاء، وأن معظمهم من الماتريدية.
6. أن هنالك تقسيمات أخرى باعتبارات أخرى لم يلتفت إليها في هذا التقسيم، كاعتبار العقيدة والمذهب الفقهي والاختصار والإسهاب.
أثر المتكلمين في أصول الفقه:
قد يقول قائل: إن علم أصول الفقه ـ في معظم مسائله ـ من قبيل علوم الآلة، وهي لا تختلف في بيانها وتقريرها باختلاف العقائد والمذاهب، كما هو الحال في علوم الآلة؛ كقواعد علم النحو والصرف والبلاغة.
لكن هذا القول يعكر عليه ذلكم الواقع المشهود؛ فإن كثيرا من المؤلفين بثوا طرفا من عقائدهم ضمن مؤلفاتهم، وأدخلوا طائفة من معتقداتهم في ثنايا كلامهم، حيث إن للعقيدة تأثيرا ظاهرا لا يجحد خاصة في مؤلفات الأصوليين، بل قد كان الباعث لدى بعض الأصوليين من تأليفه في أصول الفقه إنما هو نصرة عقيدته والدعوة إليها وتكثير سوادها، وتأسيس القواعد الناصرة لها، وإبطال قواعد المخالفين لها، وكل مؤلف لابد أن ينطلق من عقيدته في مؤلفاته ويبني عليها ويتأثر بها ويدعو إليها.
ويتضح ذلك التأثير من خلال الوجوه التالية:
1. تأسيس طائفة من القواعد الأصولية على أصول عقدية؛ كالتحسين والتقبيح عند المعتزلة، ونفي العلة والحكمة عند الأشاعرة، وعصمة الأئمة عند الشيعة.