لكن الجميع إنما أخذ تصوره عن هذا العلم من خلال شخصية واحدة، ولذلك تجدهم يتفقون على ذكر التقسيمات التي تعرض الشاطبي لبيانها، ويرددون المسائل والقضايا ذاتها، بل تتكرر لديهم الأمثلة والأدلة والشواهد، اللهم إلا أن البعض ربما يتوسع في الإتيان بأمثلة جديدة لا توجد عند الشاطبي، والبعض الآخر ربما يعيد شيئا من أفكار الشاطبي وفوائده إلا أنه يضعها في قالب جديد ويعرضها بصيغة مختلفة، ويسهب في بعض الجوانب ويفصل فيها.

هذا هو حال من كتب في مقاصد الشريعة من المعاصرين، لا يستثنى منهم في الغالب أحد.

فالشاطبي هو غايتهم وإليه مآلهم، ومنه ابتداء الفكرة وانتهاؤها، وهو عمدتهم في التأصيل والتدليل والتعليل والتمثيل.

وقد استبشرت ببعض الأبحاث التي درست مقاصد الشريعة عند العز أو عند ابن تيمية ونحوها، وانتظرت منها الإتيان بما هو جديد ومفيد، إلا أن المشكلة هي هي؛ حيث كانت هذه الأبحاث إنما تنطلق من الشاطبي وإليه تعود؛ إذ جعلت من كلام الشاطبي متنا محكما، وكانت مهمة الباحث وغايته إنما هي استجلاب الأمثلة والشواهد من كلام أولئك الأئمة لما قرره الشاطبي والمحاكمة إليه، فكان الشاطبي عندهم هو المعيار.

أليس هذا الصنيع وهو تصور علم المقاصد بإجماله وتفصيله من خلال كلام إمام واحد من علماء الشريعة وقصر تصور هذا العلم عليه يعتبر قصورا وتقصيرا، وفيه هضم كبير لأئمة الدين وعلماء الشرع!

وليس المشكل في الأمر الرجوع إلى الشاطبي والإفادة منه والأخذ عنه، فهذا أمر حسن بل مطلوب، ولا إشكال فيه، ولكن الأمر المشكل أن يبقى الباحث أسيرا لفكر الشاطبي ونظره، يدور في فلكه، ولا ينهل إلا من معينه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015