وأما إذا اقترن بطلب الدعاء من الميت، والاستشفاع به تقرب إليه بنوع من أنواع العبادة، فذلك عين ما كان يفعله المشركون يعبدون ما يعبدون زاعمين أنهم يشفعون لهم، وأنهم يقربونهم إلى الله كما قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}؛ فكانوا كفارا، ومشركين حيث جعلوا بينهم، وبين الله وسائط في العبادة.
وأما من يطلب من الغائب عنه، أو من الميت، وهو بعيد من قبره، فيدعوه في كل مكان، ويستغيث به لذلك فهو مشرك، لأنه قد شبهه بالله الذي يسمع دعاء الداعين، ويغيث الملهوفين.
وبهذا يتبين أنه لا فرق في الحقيقة بين طلب الدعاء، وطلب الشفاعة من حي أو ميت، ولا أذكر أني فرقت بينهما، فلعل الذي نقل ذلك عني قد وهم، أو أني تطرقت لمعنى آخر، ولم يفهم مرادي، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـ[بعض الإخوة عندهم قطع قماش صغيرة من أستار الكعبة، يحملونها تبركا بها، ما قولكم في هذا جزاكم الله تعالى خيرا؟ وإن تتكرمون بذكر آثار عن السلف يستدل بها على ما تذهبون إليه؟ ]ـ
الحمد لله، فضائل الأعمال، والأعيان لا يثبت شيء منها إلا بدليل من الشرع: من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دل الكتاب، والسنة على فضل الكعبة، والمسجد الحرام، وأن لهما حرمة عند الله، ولذلك شرع سبحانه الطواف بالبيت، واستلام الركنين منه، وأمر بتطهيره للطائفين، والعاكفين، والركع السجود، وجعل الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة إلا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ فلهما فضل على سائر المساجد،
قال الله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} وقال تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجدي ".