ـ[بعض الناس يقسّم منهج المتقدمين إلى مناهج في علل الحديث. فيقول إن هناك منهج البصريين وهو يشابه منهج أهل الحجاز. ويتزعمه ابن المديني ويعقوب بن شيبة والبخاري وغيرهم. ويقابله منهج أهل الكوفة الذي يتزعمه ابن معين وغيره من أئمة الكوفة. وهناك من جمع بين المنهجين مثل أحمد والدارقطني. ما هي مصداقية مثل هذا الكلام؟! ]ـ
لا أجد لهذا التقسيم أي أساس في الواقع، ولا أشار إلى ذلك أحد ممن تكلم في علوم الحديث من القدامى أو المحدَثين. يبدو أن صاحب هذا التقسيم اخترعه قياسا على اختلاف المدارس الفقهية. أو على اختلاف علماء اللغة والنحو باختلاف بلدانهم.
والواقع أن مبنى النقد وأساسه هو المعرفة الحديثية عن ملابسات رواية الأحاديث، ومن توفرت لديه هذه المعرفة الحديثية حول حديث ما علم صحته وخطأه، سواء كان كوفيا أو بصريا أو حجازيا.
وعلى سبيل المثال: حديث اشتهر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، لو قلبه أحد من الرواة، ورواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة لقال كل من يعرف الواقع في حديث الزهري: هذا خطأ والصواب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. وهذا الفهم يكون موحدا عند جميع من يعرف الواقع، ولا يختلف باختلاف البلدان. نعم يختلف العلماء حول الحكم لكن ليس على أساس اختلاف البلاد، وإنما على مدى استحضار ما ينبغي استحضاره في النقد.
وقد هالني بعض الإخوة حين زعم: إن علوم الحديث قد تشفعت، لا لسبب علمي وإنما لمجرد أن أغلب المؤلفين فيها هم الشافعية. ما هذا الكلام؟ يتحدث الناس عن هذا التراث العلمي العظيم الذي نعده من أقدس تراثنا الإسلامي، بالهوى وبدون دراسة استقرائية ولا مقارنة.
وتمنيت أن يصبر هذا الأخ على ما يدور في خياله، ويحجم عن إثارته أمام الناس، إلى أن يتحقق ذلك في ضوء البحث والاستقراء والدراسة المقارنة. والله المستعان.