سياق الكلام مقلوب، يا أخي هناك منهجان في التصحيح والتضعيف هما: منهج قائم على معرفة مدى الموافقة والمخالفة والتفرد، أو بعبارة أخرى: منهج قائم على مدى سلامة الحديث من شذوذ وعلة، ومنهج قائم على ظواهر السند والتجويز العقلي، وقد أفادنا بذلك الإمام السخاوي وابن دقيق العيد وغيرهما من الأئمة المتأخرين؛
أما الأول فعليه النقاد، وعلى الثاني الفقهاء المتأخرون وتبعهم في ذلك المحدثون المتأخرون والمعاصرون، إلا نادرا.
إذا خالف أحد من المتأخرين نقاد الحديث القدامى غير المتساهلين لا يقال إنه ابتدع منهجا جديدا، وإنما يقال إن هذا المتأخر قد أخطأ في الحكم فقط، أما إذا وجدناه قد اتخذ منهجا عاما في التصحيح والتضعيف، وفق منهج الفقهاء، واستخدم مصطلح (صحيح) فيما إذا كان رواته ثقات، واتصل سنده ظاهرا، بغض النظر عن سلامته من شذوذ وعلة، وأصبح بذلك يخالف نقاد الحديث بتصحيح ما ضعفوه، أو تضعيف ما صححوه، فعلينا أن نبين ذلك لئلا يقع الخلط بين المناهج المختلفة، ولئلا يفسر قوله (هذا صحيح) بما استخدمه فيه النقاد، كما نبهنا علماؤنا السابقون بتساهل ابن حبان والحاكم وغيرهما، مع كونهم من المتقدمين الذين يعتمدون الرواية المباشرة في نقل الأحاديث.
كلا ثم كلا، ولم يقل به أحد فيما أعلم.