مقال نُشر في جريدة الرياض بعنوان:
كتب راشد بن محمد بن عساكر:
لن أقدم شيئاً جديداً في التعريف بهذا العالم المحدَث بل الموسوعي الثقافة، وفضله على التراث الإسلامي،
وتحقيقه وطبعه ونشره، فإن ذلك يحتاج إلى تآليف خاصة، وبحوث متعددة، حيث استفادت الأمة الإسلامية من
إثراءات هذا العالم وتطريزاته وتعليقاته الفريدة، وفوائده الجمة التي مازالت مستمرة منذ أكثر من ستة عقود،
كالسحابة التي تجود بمائها، ومازال بحمد الله يقدم هذا العطاء، والدفاع عن عقيدة السلف الصالح حتى اليوم،
رغم الظروف العصيبة التي مرت عليه في حياته .. صادم الأمواج المتلاطمة حاملاً راية الدفاع عن عقيدة هذا
البلد ودولة التوحيد طوال العقود الماضية رغم تباعد المسافات في البلاد الشامية على الأخص.
أمضيت عدة أيام وساعات طوال في مدينة بيروت ودارته العامرة، من أيام شهر رجب لهذا العام - 1424هـ -
تمنيت ان تزداد للاستماع والفائدة من غزارة علم الشيخ وفوائده. ثم أكرمني خلالها وفقه الله بمطالعتي لجزء
من مكتبته الضخمة، أمضيت فيها مع شيخنا أجمل الأوقات، وفي الافادة من بعض المخطوطات، والاستفاضة
الكريمة مع كل زائر، كل ذلك بتواضع وسمت عرف عنه، كما هو خلق العلماء، الأمر الذي اخجلني رغم أن
الشيخ في الثمانين من عمره أطال الله بقاءه حيث (ولد في دمشق عام 1344هـ) متغالباً على ما يعتريه من
مرض بقوله: "مع المحابر حتى المقابر! ".
دار الحديث حول شؤون التراث والمخطوطات وحول ما لدى علماء الجزيرة العربية والعلماء الحنابلة
النجديين من مشاركة في التأليف وطلب العلوم ولاسيما في بلاد الشام ونسخهم للكتب المفيدة كما دار الحديث
عن زيارة الشيخ للرياض قبل خمسين عاماً ولقائه الملوك والأمراء والعلماء وكيف كانت الرياض آنذاك، كما
أفاض بالحديث عن شيخ الإسلام ابن تيمية باقعة العصر وأعجوبة التاريخ، والذي يمتلك الشيخ العالم زهير
عدداً من مخطوطاته وتعليقاته وتلامذته رحمهم الله، وحدثني ان بعضها قد اشتراها من الرياض.
ثم أخبرني عن مكان مسجد شيخ الإسلام في دمشق الذي يصلي فيه ويدرس به والمسمى بالجامع القرشي،
إضافة إلى غيره من العلماء وغيرها من المعلومات المفيدة.
في مكتبة الشيخ:
أكرمني الشيخ بالاطلاع على بعض المخطوطات والمصورات وهذه عادته بدون منة، حيث يراسله كثير من
الدارسين في مختلف بقاع العالم، والباحثين وطلبة الدراسات العليا، للاستفادة منه ويقدم لهم ما يحتاجونه مبتغياً
الأجر من الله عز وجل.
أما في مكتبة الشيخ فقد شاهدت بعض ما تحويه مكتبته من المخطوطات المفيدة النادرة، وقد حرصت على
تتبع بعض المخطوطات والوثائق التي لها علاقة بجهود بعض العلماء النجديين أو ما يخص تاريخ الجزيرة
العربية، فوجدت الكثير، وليعلم القارئ الكريم ان هذا غيض من فيض كما يقال ولا يمكن الإلمام بجميع ما فيها
- وقد أذكر ذلك في مواضيع أخرى.
نماذج من هذه المخطوطات:
1 - بلاد العرب: للغدة الأصفهاني (ت310) تقريباً ولعلها من أقدم النسخ لهذا الكتاب، وقد علمت من الشيخ
زهير انه أرسلها للشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - قلت: ولعل ذلك تم بعد تحقيق الشيخ حمد لكتاب لغدة سنة
1388هـ والنسخة واضحة الخط مشكلة تخلو من السقط. كتب في أعلاها تاريخ الحجاز. جاء في أول هذه
النسخة ما نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم وهو المستعان وعليه التكلان قال أبوعلي لغدة الأصفهاني رحمه الله تعالى قال
أبوالورد العقيلي من مياة بني عقيل بنجد ... ).
2 - رسالة تقع في أكثر من مائة وتسعين ورقة وهي عبارة عن حمل الأموال وتوزيع الأوقاف من مدينة
دمشق إلى المدينة المنورة في سنة 992هـ وهي بيان للأموال ونتاج ما يخرج من الضياع التي كانت تجمع
للحرمين الشريفين مما هو وقفاً عليها، وقد سجل على جوانب هذا المخطوط تقديرات وحسابات لهذه الأموال
حتى القرن الحادي عشر الهجري، ويرد في هذه الأسماء بعض الأسر الحنبلية ومقدار أوقافهم، وهذا الكتاب
شيء نادر جداً وعلمت من الشيخ زهير الشاويش أن أحد أجداده بكري الحسيني "وهو الذي لقب بالشاويش"
كان يحمل هذا الدفتر مع العلماء والقضاء إلى المدينة لتوزيعها، وفي هذه النسخة أرقام وتعليقات معينة،
وتواريخ مختلفة.
3 - نسخة من مخطوطة (تذكرة الألباب بأصول الأنساب) للبتى الأندلسي ت488هـ والمعروف ان هذه النسخة
حققها العلامة الجاسر واعتمد على نسختين محفوظتين في مكتبة عارف حكمت في المدينة النبوية ونشرها في
مجلة العرب عام 1401هـ كما نشرت محققة - على نسخة مكتبة عارف حكمة أيضاً - وحققها السيد محمد
مهدي الموسوي ونشرها في مجلة الذخائر في عام 1420هـ ولعل هذه النسخة المحفوظة لدى الشيخ زهير من
أقدمها وتعود إلى ما قبل القرن الثاني عشر الهجري تقديراً.
4 - نسخة في صيام يوم الشك: للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وهي رسالة رد بها على الشيخ عثمان
بن منصور.
ثم سؤالات أخرى واجابات الشيخ عبد الرحمن كالتحذير من التكفير. ورسالة لعبد الله أبا بطين وفيها اختصارات
لكتب الإمام ابن القيم. ورسالة من حسن بن حسين إلى الشيخ حسن العجيري وغيره من الرسائل.
وهذه النسخة بخط الشيخ والكاتب المشهور عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي المتوفي في نهاية الستينات من
القرن الماضي والذي كان كاتباً للشيخ محمد بن عبد اللطيف وهذه النسخة كتب الشيخ زهير عليها (من كتب
الرياض) حيث سألت الشيخ زهير عنها فقال: (انه اشتراها مع مجموعة كبيرة من الرياض من دكان في
منطقة دخنة من شخص اسمه حنيشل .. ) وذلك في السنة الأولى لقدومه للرياض سنة 1375هـ.
قلت: وحنيشل هو ممن زاول مهنة بيع الكتب فيما بعد الخمسينات الهجرية من القرن الماضي مع غيره من
الوراقين في الرياض.
5 - تحفة السالك في أحكام المناسك للشيخ عبد الله بن داود النجدي الحنبلي في سنة 1290هـ.
6 - ذاد المستقنع شرح مختصر المقنع للمقدسي وهو بخط محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد (تملك ابن
فهيد) سنة 1294هـ.
7 - شرح ديباجة المصباح كتبت سنة 1063هـ محمد بن ميكائيل (شراء من الرياض).
8 - شرح الاجرومية للكفراوي، وهو شرح نادر وناسخة من أهل الرس من منطقة القصيم في نجد وجاء
اسمه: زيد بن حزيم بن سلامة من أهل بلدة الرس النجدي الحنبلي خطه في سنة 1269هـ.
9 - شرح الأربعين النووية نسخ سنة 1054هـ (وهذا الكتاب شراه من الرياض).
وتحفل هذه المكتبة بخطوط وتعليقات العلامة والمؤرخ النسابة ابراهيم بن صالح بن عيسى المتوفى سنة
1343هـ - ولعل الشيخ زهير اشترى بعض هذه المخطوطات لابن تيمية من الرياض - حيث تملك هذا العالم
ابن عيسى نسخاً مهمة لمخطوطات شيوخ الإسلام ومن خطوطهم بأيديهم كخط ابن تيمية، حيث قال ابن عيسى
ما نصه: قف على خط شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بيده رحمه الله تعالى قاله كاتبه ابراهيم بن صالح بن
عيسى ساكن بلد اشيقر).
كما تأتي تعليقات ابراهيم بن عيسى على خط الإمام عبد الله المقدسي المتوفى سنة 637هـ حيث قال ابن عيسى:
(قف على خط عبد الله بن عبد الغني المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي المولود في شوال 581هـ المتوفى في رمضان
سنة 637هـ رحمه الله تعالى له ترجمة في الطبقات لابن رجب .. ).
وفي نسخة مخطوطة أخرى علق العلامة ابن عيسى على خط المزي فقال: (وقف على خط المزي يوسف ابن
الزكي) .. وغيرها من التعليقات والفوائد.
قلت كم يتحفنا العلامة الباقعة ابراهيم بن عيسى بهذا الاهتمام والتعليقات النادرة له على طرة المخطوطات ويا
ليت طلبة الدراسات العليا وغيرهم من المهتمين يتجهون إلى دراسة شاملة ومفيدة عن جهود العلامة ابن عيسى
في جمع التراث المخطوط، هذا فضلاً عن كشف مخطوطاته واظهارها للنور التي لاتزال بعض منها قابعة
فوق الأرفف وتحت الأقبية!!
حدثني الشيخ الشاويش عن بعض علماء الجزيرة العربية وتتبعهم للتراث الإسلامي وصبرهم وتحملهم على
طلب العلوم الشرعية ومنها ما كان يقوم به الشيخ العلامة محمد بن مانع - ت 1385هـ - في أيام الطلب في
بلاد الشام وتردده على الظاهرة فقال:
(كان الشيخ محمد بن مانع - رحمه الله - يأتي إلى مكتبة الظاهرية ويحمل معه أكلاً بسيطاً - وهو شيء من
الحمص المحمص - وعندما ينتهي عمل المكتبة يغلقون الباب عليه، ويمكث إلى مساء اليوم .. وهكذا يستمر
أياماً .. وقد اطلع على قضايا في مخطوطات الظاهرية من حفظه منذ خمسين عاماً منها: الفقهية كقضية متعلقة
بالذبح من كتاب روضة الطالبين للشافعية ومن غرائب الأمور انه حدثني بها منذ خمسين عاماً وأحدثك بها بعد
خمسين عاماً كذلك).
قلت كم كنت أتمنى ولازلت والكثيرون غيري كذلك أن يقوم ابنة الشيخ العالم والأديب المبتعد عن الأضواء
شيخنا أحمد بن الشيخ محمد بجمع ما يخص والده العلامة من فتاوى ومراسلات وفوائد تاريخية وأنساب
وتراجم، وظني ان العلامة زهير لن يتوانى في تقديم ما يخص والده في هذا الأمر إذا علمنا ان الشيخ - زهير
- يحمل محبة لشيخه ابن مانع رحمه الله.
كما انه ينبغي حث طلبة الدراسات العليا والمهتمين في القيام بدراسة هذه الشخصية التي عنيت بالاهتمام
بالتراث الإسلامي العظيم من تراجم وأعلام وكتب، هذا بخلاف اشرافه على التعليم في منطقة نجد. ولكن
الشيخ زهير يحرص على مراسلة العلماء في السعودية ويبعثون له بعضاً من المخطوطات النجدية لأنها نادرة
كنسخة بعثها له الشيخ عبد الملك بن ابراهيم آل الشيخ وهو كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل للمقدسي
المتوفى في 620هـ وهي مخطوطة في عام 1226هـ وهي بخط محمد بن ابراهيم بن مانع ابن حمدان وقد
أعارها عبد الرحمن بن رشيد بن عوين للشيخ عبد الملك وهي النسخة التي طبع عليها كتاب الكافي.
ومن النسخ التي رأيتها في مكتبة الشيخ القاموس المحيط وهي من النسخ النادرة وعليها تعليقات وهواش غير
التي في المطبوع، وهي بخط متقن جداً مع الشكل الكامل.
واطلعت لدى الشيخ على مخطوطة الرسالة القشيرية كتبت بالقلم الأندلسي، وهي نسخة نادرة جداً كانت - كما
أعلمني الشيخ - أوراقها متلاصقة إلا انه قام بعلاجها والآن يسعى في نشرها وعلى هذه النسخة سماعات كعام
586هـ. والقشيري توفي عام 465هـ.
ويحتفظ الشيخ زهير - حفظه الله بفهارس وأضابير كثيرة من العلماء ومما شاهدته لديه على سبيل المثال
أضابير خاصة للعلامة الدكتور لمصطفى السباعي، وكذلك للشيخ عبد الفتاح أبوغدة، وللداعية عبد القادر بدران،
ولزعيم فلسطين المفتي الأكبر الشيخ محمد أمين الحسيني، والعلامة الشيخ محمد بهجت البيطار، وغيرهم.
كما يوجد لديه أضابير خاصة لمراسلاته مع علماء المملكة العربية السعودية كالشيخ محمد بن مانع - ت
1385هـ - وهذه المجاميع فيها من الفوائد العلمية والأخبار التاريخية والتراجم النجدية التي ستقدم معلومات
جديدة إذا خرجت للنور كما ذكرت من قبل.
كما وضع الشيخ زهير لهذه المكتبة اضبارات خاصة عن البلدان وأخباره التاريخية كالأردن والسعودية وقطر
والبحرين وسوريا ولبنان وغيرها. كما اهتم الشيخ بوضع اضابير مختلفة لبعض الفرق المذهبية كالشيعة
والماسونية والدروز والبهائية وغيرها من الفنون ..
كما شاهدت بعض المخطوطات الفلكية، وتصفحتها مع الشيخ شارحاً لبعض مؤلفيها، ورأيت المخطوطات ذات
اللغات المختلفة كالتوراتية العبرية في لفافات ضخمة، وغيرها.
هذا بخلاف الدشتات الممتلئة بالمخطوطات الكثيرة في كل فن .. وبالجملة فإن هذه المكتبة حافلة لكل العلوم
والفنون وهي في نظري المتواضع أضخم مكتبة خاصة شاهدتها، وتحتوي على هذا العدد الضخم من
المخطوطات التي تتجاوز أربعة عشر ألف مخطوطة بخلاف الكتب المطبوعة والتي تعد من بواكير الطباعة
العربية ويبلغ عمر بعض هذه الكتب مائتي عام.
هذه لمحة موجزة عن فوائد الشيخ ومكتبته العامرة هذا بخلاف ما سجلته من الفوائد التي لا تتسع الصفحات
لها.
نسأل الله ان يجزي الشيخ زهير خير الجزاء على ما قدمه لحفظ تراث أهل السنة وأهل الحديث، والتي بحمد
الله مازالت مضيئة بأمثال هؤلاء العلماء وقبل الختام.
كما لا يفوتني ان أشكر أولاده الفضلاء الذين يساعدونه في حفظ هذه المكتبة العامرة وحسن أخلاقهم كالأستاذ
بلال والمهندس علي والاخوة الذين يساعدونهم في حفظها، وفي ادارة المكتب الإسلامي.
وفي النهاية نسأل الله ان يجزي الشيخ خير الجزاء على ما قام به من خدمة السنّة المطهرة والشرع الحنيف.
كما يهنئه محبيه على نجاح العملية التي أجريت لعينيه الكريمتين قبل أسبوع ونسأل الله أن يمتعه بالصحة
والعافية وأن يمد في عمره على طاعته.