الشرط الأول: الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، ولا يؤمر به، ولا يجوز له أن يدخل مكة - أي: حَرَمَ مكة -؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] .
ومِن ذلك: مَن لا يصلي، فإننا لا نأمره بالحج، ولا نُمَكِّنه من دخول مكة - أعني: حرم مكة - لأنه مرتد كافر، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] .
والثاني: البلوغ: وضده الصِّغَر، فالصغير لا يجب عليه الحج؛ ولكن لو حج صحَّ حجه، ووجب عليه إذا بلغ أن يحج حج الفريضة.
والثالث: العقل: وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه الحج؛ لعدم صحة النية منه.
والرابع: الحرية: وضده الرِّق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه مملوكٌ مشغولٌ بخدمة سيده؛ ولكنه لو حج بإذنه وهو بالغٌ عاقل فمِن العلماء مَن قال: إن حجه صحيح ومجزئ.
ومنهم مَن قال: إنه غير مجزئ.
ولكنهم متفقون على أنه صحيح.
والخامس: الاستطاعة، أي: القدرة على الوصول إلى البيت الحرام بالمال والبدن، وضده العجز، فمن كان عاجزاً بماله فلا حج عليه، كالفقير الذي ليس عنده من المال ما يمكنه أن يحج به، إما لكونه قليل ذات اليد، أو لكونه مديناً بدين يستغرق ما في يده.
ولهذا نقول: إن من عليه دين فإنه لا يحج حتى يقضي الدين، فإن كان الدين مؤجلاً -أعني: مُقَسَّطاً- فإن كان يَثِق من الوفاء كلما حلَّ القسط، وبيده الآن ما يحج به وَجَبَ عليه الحج، وإن كان لا يثق فإنه لا يجب عليه الحج، ولا ينبغي أن يحج أيضاً؛ لأن وفاء الدين أهم من الحج، لماذا نقول: أهم من الحج؟
صلى الله عليه وسلم لأن الحج مع وجود الدين ليس بواجب، فحتى الآن لم يصبح عليه فريضة، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يحج وعليه دين حتى لو أذن له الدائن بأن يحج؛ لأن إذن الدائن لا يوجب أن يَسْقُط عنه شيءٌ من دينه.
وقد ظن بعض الناس أن الدائن إذا أذن فإن المدين يحج، والأمر ليس كذلك؛ لأن الدائن لا يتعلق حقه ببدن المدين حتى نقول: إذا أذن له فليحج، وإنما يتعلق الحق بمال المدين، فهل إذا أذن الدائن لمدينه أن يحج يَسْقُط عنه شيءٌ من دَينه؟ الجواب: لا، إذاً لا فائدة من الإذن.
وحينئذٍ نقول: مَن كان عليه دَين فإن كان حالاً فلْيُوْفِه قبل أن يحج، وإن كان مؤجلاً -أي: مُقَسَّطاً- وكان الرجل يثق من نفسه أنه إذا حل القسط أوفاه، وبيده الآن ما يمكن أن يحج به فليحج، وإن كان لا يثق من نفسه فلا، وإنما يجعل ما بيده الآن مدخراً لقضاء الدين إذا حل القسط.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فإن الحج ليس بواجب عليها، بل يحرم عليها أن تحج بلا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) قال ذلك عليه الصلاة والسلام وهو يخطب الناس معلناً ذلك، حتى لا يخفى على أحد، فلا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كانت كبيرة أو شابة، وسواء كان معها نساءٌ أم لم يكن، وتهاوُن بعضِ الناس اليوم خطأ؛ لكونهم يطلقون نساءهم أو خَدَمهم فيحجون بلا محرم، فإن هذا لا يحل -أي: لا يحل للمرأة ولو كانت خادمة- أن تحج بلا محرم، ولو كانت مع نساء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
فمتى وجب الحج وَجَبَ على الإنسان أن يبادر به، ولا يجوز أن يتأخر؛ لأن جميع أوامر الله تعالى على الفورية ما لم يوجد دليل على جواز التأخير؛ لقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] .
وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] .
ولأن الإنسان لا يدري ما يعرِض له، فقد يموت قبل أن يحج، ويبقى الحج ديناً في ذمته.
وعلى هذا فالواجب على مَن وجب عليه الحج لتمام شروطه أن يبادر به، فإن لم يفعل كان آثماً، وإذا مات قبل أن يحج مع التأخير فمِن العلماء مَن يقول: إنه يُحَجُّ عنه ويُجْزِئُه.
ومنهم من يقول: إنه لا يُحَجُّ عنه؛ لأنه لا يُجْزِئُه؛ لكونه أخَّر الحج مع قدرته عليه، فلا ينفعه حج غيره عنه.