قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] : قد يظن بعض الناس أن (لا) نافية، وهي ليست كذلك، بل هي مثُبِته للقسم، ويؤتى بها في مثل هذا التركيب للتأكيد.
فالمعنى: أُقْسِم بالخُنَّس، والخُنَّسُ: جمعُ خانسة، وهي: النجوم التي تَخْنِس أي: ترجع، فبينما تراها في أعلى الأفق، وإذا بها راجعة إلى آخر الأفق، وذلك -والله أعلم- لارتفاعها وبُعدها، فيكون ما تحتها من نجوم أسرع منها في الجري بحسب رؤية العين.
وقوله: {الْجَوَارِ} [التكوير:16] أصلها: الجواري بالياء؛ لكن حُذِفت الياء للتخفيف.
و {الْكُنَّسِ} [التكوير:16] هي: التي تكنس أي: تدخل في مغيبها.
فأقسم الله بهذه النجوم، ثم أقسم بالليل والنهار، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:17-18] .
فمعنى قوله: {عَسْعَسَ} [التكوير:17] أي: أقبل، وقيل: أدبر، وذلك أن الكلمة (عَسْعَسَ) في اللغة العربية تصلح لهذا وهذا؛ لكن الذي يظهر أن معناها: أَقْبَل ليطابق ما بعده من القسم وهو: قوله {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18] فيكون الله أقسم بالليل حال إقباله، وبالنهار حال إدباره.
وإنما أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لعِظَمِها وكونها من آياته الكبرى، فمَن يستطيع أن يأتي بالنهار إذا كان الليل؟! ومن يستطيع أن يأتي بالليل إذا كان النهار؟! قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73] .