نبتدئ هذا اللقاء بقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12] ، نداء المؤمنين من عند الله شرف لهم بلا شك، وتصدير الخطاب بالنداء يدل على أهمية ما يخاطب به، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرعها سمعك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] .
يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (ناجيتم) أي: أردتم مناجاة الرسول، والمناجاة: هي الكلام السر بين المتناجيين، والرسول هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان الصحابة رضي الله عنهم لمحبتهم الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتحدث إليه سراً، كانوا يكثرون على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكثرون التردد عليه، ولا يخفى ما في هذا من الإزعاج، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الذين يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضيوفاً أمرهم أنهم إذا انتهوا لا يبقون؛ لأن ذلك يؤذي النبي فيستحي النبي، كذلك هذه المناجاة إذا كثرت لا شك أنها تؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأراد الله تعالى أن يمتحنهم فأمرهم أن يقدموا بين يدي مناجاته -أي: قبلها وأمامها- صدقة، ولم يحدد، فيتصدق بالرغيف وبالتمرة وبالدرهم وبالدينار وبالثوب وغيرها، والصدقة تحتاج إلى مال وتحتاج إلى عمل وتحتاج إلى بحث عن فقير، فليست بالأمر الهين، فسوف تقل المناجاة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان الإنسان لا يناجيه إلا إذا قدم صدقة، وهذا هو الواقع، فإن المناجاة قلَّت.
قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} (ذلك خير لكم) في الدين؛ لأنه يدل على رغبتكم التامة لمناجاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأطهر لأن الصدقة تطهر الإنسان من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) .
قوله: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} أي: إن لم تجدوا مالاً تتصدقون به {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: فقد غفر لكم ورحمكم فناجوا الرسول بدون تقديم صدقة، وهذه هي القاعدة العامة الشاملة في هذه الشريعة المبنية على اليسر والسهولة؛ وهو أنه (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة) بمعنى: أن الإنسان إذا عجز عن الواجب سقط عنه، وإذا اضطر إلى المحرم حل له، بشرط أن يضطر إليه بألا يجد سواه مما يدفعه إلى الضرورة، وأن يكون تناول هذا المحرم رافعاً لضرورته.