قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] أربعة أشياء، (من نجوى ثلاثة) أي: ما من متناجين ثلاثة إلا والله معهم وهو رابعهم {وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} أدنى من ذلك كم؟ اثنان، أكثر؟ سبعة فأكثر أو ستة فأكثر {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أي: في أي مكان كانوا، والمعية هنا ليست معية الحلول بمعنى: أن الله حالٌّ في أماكننا معنا، هذا ليس كذلك، والسلف ما فهموا هذا الفهم، ولا يمكن لإنسان يقدر الله حق قدره أن يتوهم هذا المعنى الباطل، ليس الله معنا في المكان هنا لا، فيكون معنى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} أي: عالم بهم محيط بهم، سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم، له السلطة عليهم، هذا معناه، وليس المعنى: أنه في الأماكن التي نحن فيها! كلا والله، من زعم ذلك فقد أساء الظن بالله أكبر إساءة نسأل الله العافية؛ لأنه يلزم على هذا الفهم الباطل الفاسد المنكر إما أن يكون الله واحداً متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، وإما أن يكون متعدداً بتعدد الأمكنة؛ لأن أناساً هنا وأناساً في السوق، وأناساً في المسجد، وأناساً في الجو، وأناساً في البحر، هل الله متجزئ؟! هل الله متعدد؟! لا والله، ويلزم من ذلك ما هو أخبث: أنك إذا كنت في الحمام -في المرحاض- كان الله معك في نفس المكان.
هل أحد يقول هذا؟!! والله ما يقوله إلا إنسان ما يعرف الله عز وجل ولا يقدره حق قدره، يا سبحان الله!! كيف تتصور أن ربك العلي الأعلى يكون معك في المرحاض -نسأل الله العافية- لا يتصوره الإنسان هذا أبداً، إلا شخص متنقص لله عز وجل أعظم تنقص.
إذاً كيف نُخرِّج قوله: (إلا هو معهم) ؟ نخرج هذا: على أن المعية لا تستلزم الحلول والإحالة في المكان، العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا.
وأين مكانه؟ في السماء، يقول: ما زلنا نسير وسهيل معنا.
وسهيل في السماء، هذا وهي مخلوقات صغيرة في جنب الله عز وجل، ومع ذلك تكون مع الإنسان وهي فوق.
إذاً الله معنا وهو فوق كل شيء، لا يخفى عليه شيء من أعمالنا، يجب أن تعتقد هذا الاعتقاد، فإن مت على العقيدة الأولى: إن الله معك في المكان، فلا أدري أتموت كافراً أم مؤمناً؛ لأن هذا تنقص لله تعالى غاية التنقص.