تفسير قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك)

يقول الله عز وجل بعد ذكر البسملة -والبسملة تقدم الكلام عليها كثيراً- يقول عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] (قد) هنا للتحقيق والتوكيد {سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] وهي امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تشكو زوجها، أنه بعدما كبر سنه وسنها ظاهر منها، وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وهذا هو الظهار، وكان الظهار في الجاهلية يعني: الطلاق البائن الذي لا تحل به المرأة، وتكون حراماً عليه أبداً، هذه المرأة جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد هذا السن والأولاد والتعب مع هذا الزوج يظاهر منها، فبين الله عز وجل أنه قد سمع قولها، وقوله: {تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] أي: في شأن زوجها، حين قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي.

{وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] أي: ترفع الشكوى إلى الله عز وجل؛ ليقضي حاجتها تبارك وتعالى، فنزل الوحي في الحال على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفتاه الله في ذلك، ثم أكد هذا السمع بقوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] أي: تراجعكما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراجعها ويأمرها أن تصبر وأن تنظر حتى يأتي الله بأمره.

وفي هذه الآية: دليل على سعة سمع الله عز وجل، وأنه يسمع كل شيء، قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات] وفي حديث آخر: [تبارك الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجادله في زوجها وإني في الحجرة ويخفى عليَّ بعض حديثها] فحمدت الله عز وجل على كمال صفاته، حيث يسمع الله فوق العرش فوق سبع سماوات حديث هذه المرأة وعائشة في الحجرة لا تسمع.

وفي هذا التحذير من قول الإنسان ما لا يرضي ربه عز وجل، وأنه مهما أخفى القول فإن الله تعالى يسمعه، قال الله تعالى في آية أخرى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] يعني نسمع (سرهم) ما أخفوه في نفوسهم (ونجواهم) ما تناجوا به.

ولكن الصحيح: أن قوله: (سرهم) يعني: ما تسار به الرجلان، والنجوى: ما كان حديثاً بين القوم، لأن قوله نسمع لا ينطبق على السر الذي في القلب، إذا كان إلى جنبك ثم كلمته سراً لا يسمى نجوى، وإذا تكلمت في المجلس بكلام مرتفع فإنه يسمى نجوى.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] يسمع كل شيء، ويرى كل شيء عز وجل، فإياك أن تسمع ربك ما لا يرضى، وإياك أن تري ربك بأفعالك ما لا يرضى، كل شيء معلوم عند الله عز وجل.

لكن إذا قال الإنسان: أنتِ عليَّ كظهر أختي هل يكون كقوله: كظهر أمي؟

صلى الله عليه وسلم نعم يكون؛ لأنه لا فرق، وأما ذكر الآيات من ظاهر من أمه فهذا بناءً على أنه الغالب، أن الإنسان يظاهر بأمه، لكن لو قال: أنت عليَّ كظهر عمتي، فالحكم كذلك، والضابط في هذا: أن يشبه زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً.

فالأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو بنت الأخ أو بنت الأخت الحكم فيهن واحد، ولو شبهها بغير الظهر بأن قال: أنت عليَّ مثل رأس أمي أو مثل فرج أمي فهل الحكم واحد؟ الجواب: نعم الحكم واحد، هو كالظهر، لكن ذكر الظهر بناءً على الغالب المعروف في ذلك الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015