تفسير قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم)

قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح.

{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} أي: القرآن الكريم وهو من ذكر الله لكنه ذكره بخصوصه لأهميته.

{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] (الذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} أي: طال بهم الزمن ونسوا حظاً مما ذكروا به {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} والعياذ بالله {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وبعضهم مستقيمون.

ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أنه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خيرٌ من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) .

وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى؛ لأنهم قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله عز وجل، حيث قال: {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ، ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قومه أن يبين الواقع، لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم، عمم الحكم على الجميع والواجب العدل، إن كان الأكثر هم الفاسقون قال: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقون دون الأكثر عبر بكثير، على حسب ما يقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقول الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015