وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك.