قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] (الأول) أي: الذي ليس قبله شيء, و (الآخر) : الذي ليس بعده شيء, و (الظاهر) : الذي ليس فوقه شيء, و (الباطن) الذي ليس دونه شيء, هكذا فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أننا لا نرجع إلى قول أحد كائناً من كان من البشر بعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.
(وهو بكل شيء عليم) أي: عليم بما كان وما يكون, فلا ينسى ما مضى ولا يجهل ما يأتي, كما قال الله تعالى على لسان موسى صلى الله عليه وسلم حين سأله فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:51-52] (لا يضل) أي: لا يجهل, لأن الضلال يراد به الجهل, كما في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:7] أي: جاهلاً, والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يعلم عن الشريعة الإسلامية شيئاً قبل أن يوحى إليه، لقول الله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] .
وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] هل يشمل أفعال العباد وأقوال العباد؟ نعم.
يشمل هذا, بل إنه يعلم سبحانه وتعالى ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره, كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] فإياك أن تضمر في قلبك شيئاً يحاسبك الله عليه, لكن الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها, ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضره شيئاً, بل هي دليل على صدق إيمانه؛ لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي إليه الوساوس إذا كان قلباً سليماً, أما إذا كان قلباً غير سليم فإن الشيطان لا يوسوس له, لأنه قد انتهى.