أما كيفية ذلك فنقول: إذا وصل إلى الميقات والمواقيت خمسة: ذي الحليفة لأهل المدينة ولمن مر به، والجحفة لأهل الشام ومن مر به، ويلملم لأهل اليمن ولمن مر به، وقرن المنازل لأهل نجد ومن مره به، وذات عرق لأهل العراق، فإذا وصل من يريد الإحرام إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، ثم تطيب على رأسه ولحيته، ثم لبس الإحرام إزاراً ورداءً، هذا بالنسبة للرجل.
أما المرأة فتفعل هكذا أي: بالاغتسال وتتطيب بما لا يظهر ريحه لمن حولها، وتلبس الثياب التي تريد من غير تقييد، إلا أنها لا تتبرج بالزينة خوف الفتنة، ثم يقول: لبيك اللهم عمرة.
ويستمر يلبي، يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تسر به، وأفضل كيفية للتلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ويرفع الرجل صوته بذلك، فإنه لا يسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة، فإذا وصل إلى مكة ودخل البيت -أعني: المسجد- قال عند دخوله كما يقول عند دخوله سائر المساجد: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك) ويمضي إلى الحجر فيستلمه بيده اليمنى -أي: يمسحه ويقبله- إن تيسر له وإن لم يتيسر أشار إليه، لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما كان ابن عمر يقول، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، فإذا مر بالركن اليماني الذي يليه الحجر الأسود استلمه بيده اليمنى فإن شق عليه ذلك أشار إليه، ويقول في طوافه ما شاء من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والتحميد والتكبير والدعاء، وليس هناك دعاءٌ مخصوص في الطواف إلا التكبير عند الحجر الأسود كلما مر به وقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] بين الركن اليماني والحجر الأسود، وما عدا ذلك فهو راجع إلى اختيار الطائف.
وإياك أيها الحاج! أن تدعو بهذا الدعاء البدعي وهو أن تدعو لكل شوطٍ بدعاء مخصوص، فإن هذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم هو دعاءٌ قد يكون ما يريده الطائف غير هذا الدعاء، ثم إن كثيراً من الذين يتلونه لا يدرون ما معناه، فانصحوا إخوانكم إذا رأيتم معهم مثل هذا، وقولوا: هذا بدعة، وادع الله بما تريد، وكل إنسان له حاجة غير حاجة الآخر، وفي هذا الطواف يسن للرجل سنتان: الأولى: الاضطباع.
الثانية: الرمل.
فأما الاضطباع: فهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيخرج كتفه الأيمن في جميع أشواط الطواف.
وأما الرمل: فهو أن يسرع المشي، لكن في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] يقول ذلك تذكيراً لنفسه بأمر الله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيصلي ركعتين خلف المقام خفيفتين، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بعد الفاتحة، والثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، ويخففهما ولا يبقى بعدهما ينصرف فوراً تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتركاً للمكان الذي يحتاجه غيره ممن فرغ من الطواف.
ثم يتجه إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تمكن وإلا انصرف -بدون إشارة- إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] قبل أن يصعد على الصفا تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتذكيراً بالآية الكريمة التي أخبر الله فيها أن الصفا والمروة من شعائر الله، فإذا صعد إلى الصفا استقبل القبلة ورفع يديه، وقال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنه أن يكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثانية ويدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة يمشي على عادته حتى يصل إلى العلم الأخضر -أي: العمود الأخضر- الذي جعل بحذائه لمبات خضر من فوق، فيسعى في هذا -أي: يركض ركضاً شديداً إذا تيسر له- حتى يصل إلى العلم الآخر، ثم يمشي مشياً معتاداً حتى يصل إلى المروة، فإذا وصل إلى المروة صعد عليها واتجه إلى القبلة رافعاً يديه يقول مثلما قال على الصفا، ثم ينزل متجهاً إلى الصفا يمشي في مواضع مشيه ويركض في موضع ركضه، ولا يقرأ الآية: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)) [البقرة: 158] إلا مرة واحدة، إذا أقبل على الصفا بعد الطواف، ولكن يذكر الله تبارك وتعالى ويقرأ القرآن ويدعو، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول وهو يسعى في الوادي الذي جعل عليه العلم علامة يقول: [ربِّ اغفر وارحم، ربَّ اغفر وارحم، ربِّ اغفر وارحم] فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوطٌ آخر، قصَّر رأسه -أي: قصه بالمقص أو بالماكينة- ولا يسن الحلق إذا كان وقت الحج قريباً؛ لأنه لو حلق لم يبق شعرٌ للحج، ثم يحل من إحرامه حلاً كاملاً، ويبقى إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج، ويفعل عند إحرامه كما فعل عند إحرام العمرة.
ويأتي إن شاء الله الكلام على صفة الحج في اللقاء القادم إن شاء الله.