أما شروط الوجوب: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
الإسلام: ضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، نقول: أولاً تشهد وأسلم، ثم نقول: يجب عليك الحج.
العقل: ضده الجنون، فلو فرض أن إنساناً -نسأل الله العافية- منذ صغره وهو مجنون، ومات فليس عليه حج؛ لأن جميع العبادات تسقط عن المجنون إلا واحدة فقط وهي الزكاة فإنها تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة محلها المال وليس الذمة، وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.
الثالث: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج حتى لو أحرم، فمثلاً: إنسان معه غلامٌ له عشر سنوات، أحرم ثم تضايق من الإحرام وخلعه يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه غير مكلف، فالصغير لا يجب عليه الحج، لا ابتداءً ولا استمراراً، فبماذا يحصل البلوغ؟ البلوغ يحصل بواحد من أمورٍ ثلاثة بالنسبة للذكور، وواحد من أمورٍ أربعة بالنسبة للنساء: الأول: تمام خمسة عشر سنة، وعلى هذا قد يكون الرجل بالغاً في آخر النهار، غير بالغ في أول النهار؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن ولادته في الساعة الثانية عشرة في اليوم الثاني من ذي القعدة في هذا اليوم يتم له خمسة عشر سنة، أول النهار قبل الساعة الثانية عشرة بالغ أم غير بالغ؟ غير بالغ، وآخر النهار بالغ، هذه واحدة.
ثانياً: نبات العانة، أي: الشعر الخشن الذي حول القبل، من ذكر أو أنثى.
ثالثاً: إنزال المني بشهوة، يقظةً كان أو مناماً.
هذه ثلاث علامات للبلوغ بالنسبة للذكور والإناث، بقي أمر رابع للمرأة فقط وهو الحيض، فمتى حاضت المرأة ولو كان لها عشر سنوات فهي بالغ.
الشرط الرابع: الحرية، وضدها العبودية، العبد لا يجب عليه أن يحج؛ لأنه لا يستطيع، فإن العبد ماله لسيده حتى لو كان عنده مليون ريال، فماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) قال: (للذي باعه) ولم يقل: ماله له، إنما للذي باعه وهو سيده.
الخامس: الاستطاعة.
وهي: أن يتمكن من الحج بدنياً ومالياً، الفقير ليس عليه حج، ما دام يحتاج إلى مال فليس عليه حج، أما إذا كان لا يحتاج إلى مال كما لو قدرنا أنه من أهل مكة وهو فقير لكن يستطيع أن يمشي إلى عرفة، فهنا لا نشترط أن يكون عنده مال، لماذا؟ لأنه قادر، لا يحتاج إلى مال.
البدنية: أن يكون قادراً ببدنه على أداء النسك، فإن كان عاجزاً، فقال العلماء رحمهم الله: إن كان عجزه مستمراً وعنده مال وَكَّلَ من يحج عنه، كالشيخ الكبير، وكالمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فهذا لا يجب عليه الحج بنفسه، لكن إذا كان عنده مال أن يوكل من يحج عنه، وإن كان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى أن يزول، كإنسان مريض بكسر والكسر يجبر، مثلاً: أصيب بكسرٍ في أول شهر ذي الحجة ولا يستطيع، فهل الكسر يرجى أن يبرأ أم لا؟ يرجى أن يبرأ، نقول: هذه السنة لا تخرج، حج من العام القادم إذا كان لديك مال، ولا يوكل أحداً؛ لأن التوكيل إنما يكون عند العجز المستمر، أما العجز الطارئ الذي يمكن أن يزول فهنا ينتظر حتى يزول عجزه.
إذا كان الإنسان عنده مال وعليه دَّين، مثلاً: عنده عشرة آلاف وعليه دين عشرة آلاف، هل يلزمه الحج؟
صلى الله عليه وسلم لا يلزمه؛ لأن وفاء الدَّين واجب، فيجب عليه أن يوفي الدَّين أولاً، ثم يحج بعد وفاء الدَّين إن بقي عنده مال، فإذا قال: إن عليه ديناً يحل بعد سنة، وعنده مال يمكن أن يحج به هذه السنة، فهل يلزمه؟ نقول: إذا كان يرجو أنه يجد وفاءً عند تمام السنة فليحج، وإن كان لا يرجو فلا يحج، الذي يرجو مثلاً: إنسان موظف في الوقت الحاضر ليس عنده ما يوفيه، لكن إذا مرت السنة أمكنه أن يوفي، نقول: حج، ومن ذلك الذين عندهم أقساط لبنك التنمية العقاري، عنده الآن مال يوفي القسط، لكن القسط لم يحل بعد، وفي أمله أنه إذا حل القسط يوفي، فهل يحج أم لا؟ يحج، لا مانع الآن، هذه شروط وجوب الحج.
ومن نعمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً لينضبط الناس، ويعرف من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ولو لم تكن هذه الشروط لكانت المسألة فوضى، كلٌ يقول: الحج واجب عليَّ، وكلٌ يقول: الحج ليس بواجب، فهذه الشروط التي وضعها الله ورسوله في العبادة لا شك أنها مقتضى الحكمة؛ لأنها تضبط الناس ويتبين من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ويكون الناس على بصيرة في دينهم، وإذا أراد الحج فليختر الصحبة التي لديها علم ودين، أما العلم؛ فلئلا يقع في مخالفة وهو لا يعلم، وأما الدين؛ فلئلا يحصل التهاون في بعض مناسك الحج فاختر أن يكون صاحبك في سفر الحج من ذوي العلم والدين، ولأن الإنسان إذا اختار صحبة ذات علمٍ ودين فإنه يكتسب منهم علماً وديناً، وكم من إنسان اكتسب بصحبة شخصٍ في سفر خيراً كثيراً أو شراً كثيراً، وليكن مع أصحابه حسن الخلق، يكون بشوشاً سهلاً ليناً خدوماً نشيطاً في العمل يخدم أصحابه في سقي الماء وطبخ الطعام وغير ذلك؛ لأن هذا من محاسن الأخلاق، ويقال: إنما سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، يسفر أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال.
واحرص على أن يكون معك مالٌ زائد عن الحاجة؛ لأنه ربما تطرأ أمور ليست على بالك، فإذا كان معك مال أمكنك أن تسدد هذه الحاجة من الدراهم التي معك، وكفاك أن تقول: يا فلان أقرضني، يا فلان تصدق عليَّ، أكثر من النفقة ما استطعت ما دمت واجداً، وربما تكون الحاجة لغيرك من الصحبة، يحتاج إلى شيء فتعينه أو تقرضه، فحمل زيادة النفقة من الأمور المطلوبة.
واحرص على أداء الصلاة مع الجماعة، لا تقل: إني مسافر، فالمسافر تجب عليه الصلاة مع الجماعة كما تجب على المقيم، ألم ترو أن الله تعالى أنزل على عبده قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فأوجب الله صلاة الجماعة حتى في الخوف؛ لأن الجماعة فرض واجب حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى منفرداً مع قدرته على الجماعة فلا صلاة له، ولكن الصحيح: أنه له صلاة إلا أنها ناقصة جداً.
واحرص على أن تؤدي النسك على الوجه المطلوب كما سيأتي إن شاء الله بيانه في اللقاءات القادمة.
أسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فلا تحج المرأة بدون محرم، حتى لو بقيت سنوات، وإذا لقيت ربها وهي لم تحج لعدم وجود المحرم فلن يؤاخذها الله عز وجل ولن يعذبها؛ لأن الحج لم يجب عليها حيث إنها لا تستطيع أن تحج لعدم وجود المحرم، ولذلك بلغوا النساء اللاتي ليس لهن محارم وتضيق صدورهن إذا لم يحججن، بلغوهن بل بشروهن بأنه لا حرج عليهن، وأن الحج لا يجب عليهن كما لا تجب الزكاة على الفقير، وبشروهن بالخير، وقولوا لهن: ما دمتن لا تجدن المحرم فلا حج عليكن، وإذا وجدتن المحرم وتمت الشروط فأدين الحج.
وإلى هنا انتهى هذا الكلام، نسأل الله أن ينفع به.