حقيقة الصوم وما يمسك عنه الصائم وبعض آدابه وأحكامه

عماذا يصوم الإنسان: هل هو عن الأكل والشرب والجماع والمفطرات؟

صلى الله عليه وسلم نعم.

هذا هو الصوم الحسي، الذي يستطيعه كل إنسان، لكن الصوم الحقيقي هو أن يصوم عن محارم الله، لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه هي الحكمة أن يتقي الإنسان ربه، لا أن يترك الطعام والشراب والنكاح، وفسر هذه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه) فيتأكد على الصائم اجتناب المحرمات أكثر من غيره، فلا يغتاب أحداً، ولا يكذب، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغش بالبيع والشراء، ولا يتعامل بالربا، ولا يسب والديه، المهم أن يتجنب جميع المحرمات، ولا يتهاون بالواجبات، والعجب أن بعض الناس يصوم ولا يصلي، إما أنه لا يصلي مطلقاً، وإما أنه لا يصلي مع الجماعة، فأما من لا يصلي مطلقاً فصومه مردود؛ لأنه كافر، ولا يقبل منه أي عبادة، وأما من لم يصل مع الجماعة فإنه آثم، عاصٍ لله ورسوله، وصيامه ناقص، فأهم شيءٍ في الصيام هو تقوى الله عز وجل -أسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذلك.

أما ما يصوم عنه من الأمور الحسية فهو الأكل والشرب والجماع وبقية المفطرات، لقول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فيجب على الإنسان من حين أن يتبين له الفجر أن يمسك إلى أن تغرب الشمس، والمفطرات كلها محصورة: الأكل والشرب، والجماع، وإنزال المني بشهوة باستمناءٍ أو تقبيل أو غير ذلك، والتقيؤ عمداً، وإخراج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، هذه المفطرات، ومع ذلك لا تفطر إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون الإنسان عالماً بالوقت وعالماً بأن هذا مفطر، يعني: لابد من العلم بشيئين: بالوقت يعني: يعلم أنه في النهار.

والثاني: عالم بأن هذا الشيء مفطر.

الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، أي: ليس ناسياً.

الشرط الثالث: أن يكون مريداً للمفطر.

فللنظر: أن يكون عالماً، وضد العالم: الجاهل، فلو أن الإنسان فعل شيئاً من المفطرات يظن أنه ليس بمفطر، فلا شيء عليه، مثل أن يحتجم ويظهر منه الدم، يظن أن ذلك لا يفطر، فنقول: صيامه صحيح.

وكذلك الجاهل بالوقت، لو أنه أكل وشرب فلما خرج من بيته وجد الناس قد صلوا صلاة الفجر، فهذا ليس عليه شيء؛ لأنه جاهل بالوقت، وهذا يقع كثيراً، بعض الناس لا يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فيظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل ويشرب، ومثل ذلك: لو كان في البر وكانت السماء غيماً وليس حوله أذان، فظن أن الشمس قد غربت فأفطر، ثم ظهرت الشمس من وراء الغيم، فصومه صحيح؛ لأن هذه القضية وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم أفطروا في يوم غيم ظنوا أن الشمس قد غربت ثم ظهرت الشمس بعد إفطارهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء.

وسبب ذلك: أنهم كانوا جاهلين بالوقت، يظنون أن الليل قد دخل.

وضد الذكر النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً أنه صائم فصومه تام، لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) .

الشرط الثالث: أن يكون مختاراً مريداً للفعل، فإن كان غير مختار فصيامه صحيح، لو تمضمض الإنسان وفي أثناء التمضمض نزل الماء بدون قصد إلى بطنه فصيامه صحيح؛ لأنه غير مريد، وكذلك لو احتلم وهو نائم فصيامه صحيح؛ لأنه بغير اختيار، كل هذا من نعم الله على عباده وتيسيره عليهم، ولهذا قال عز وجل في آية الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015