قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} [الرحمن:33] بعد الوعيد قال: إن استطعم أن تنفذوا مما نريده بكم فانفذوا، (أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) أي: من جهاتها، (فانفذوا) ولكن لا تستطيعون هذا، فالأمر هنا للتعجيز، ولهذا قال: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] أي: ولا سلطان لكم، لا يمكن أحد أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض، إلى أين يذهب؟ لا إلى شيء، ولا يمكن.
ثم قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} [الرحمن:34-35] أي: لو استطعتم أو لو حاولتم لكان هذا جزاءكم {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن:35] أي: محمى بالنار {فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن:35] أي: فلا ينصر بعضكم بعضاً، وهذه الآية في مقام التحدي، ولقد أخطأ غاية الخطأ من زعم أنها تشير إلى ما توصل إليه العلماء من الطيران حتى يخرجوا من أقطار الأرض ومن جاذبيتها إلى أن يصلوا -كما يزعمون- إلى القمر أو إلى ما فوق القمر؛ لأن الآية ظاهرة في التحدي، والتحدي هو توجيه الخطاب لمن لا يستطيع.
ثم نقول: هل هؤلاء استطاعوا أن ينفذوا من أقطار السماوات؟ لو فرضنا أنهم نفذوا من أقطار الأرض ما نفذوا من أقطار السماوات، فالآية واضحة أنها في مقام التحدي، وأنها لا تشير إلى ما زعم هؤلاء أنها تشير إليه، ونحن نقول: الشيء واقع لا نكذبه، ولكن لا يلزم من تصديقه أن يكون القرآن دل عليه أو السنة، الواقع واقع، فهم خرجوا من أقطار الأرض، لكن نحتاج إلى دليل وهذا واقع لا يحتاج.
هذه الآية في سياقها إذا تأملتها وجدت أن هذا التحدي يوم القيامة؛ لأنها: (كل من عليها فان) ثم ذكر: (يسأله من في السماوات والأرض) ثم ذكر: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ} [الرحمن:33] ثم ذكر ما بعدها يوم القيامة.