قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] (إنا) يعني: نفسه جل وعلا، وأتى بها بصيغة الجمع تعظيماً له جل وعلا؛ لعظمة صفاته وكثرة كمالاته، وكثرة جنوده، فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] يعني: باعثوها (فتنة لهم) اختباراً، هل يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وماذا كان الأمر؟ آمنوا أو لا؟ ما آمنوا، وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم، فكان عقابه أشد وأوجع، ولهذا جعل الله الناقة فتنة؛ لأنها أظهرت الحق لهم ولكن لم يقبلوا، وانتبه لهذا الاستدراج من الله عز وجل، انتبه، إذا يسر الله لك أسباب المعصية لا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنةً له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل، يسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أنَّ الله حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعاً على وجه الماء، وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر، فاحتالوا على صيد السمك، صاروا يجعلون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان تدخل في الشباك فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان، وهذه حيلة واضحة، فقلبهم الله قردة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] في صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون، تناله أيديهم ورماحهم، يعني: أن الزاحف يمسكونه باليد مثل الأرنب مثلاً، والغزال، يمسكه الواحد بيده، ورماحكم -أي: الطائر- كان الطير لا يناله إلا بالسهم؛ لأنه بعيد، لكن صار الطير يطير وكأنه على الأرض الرمح يدركه، فتنة، هنا يسر الله لهم أسباب المعصية، لكن الصحابة رضي الله عنهم خير الناس لم يصد أحدٌ منهم صيدةً واحدة رضي الله عنهم، بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخدعوا الله، أما سلف هذه الأمة وفقنا الله وإياكم لمرافقتهم في الدنيا في أعمالهم وفي الآخرة في مساكنهم، فإنهم لم يأخذوا.
فهنا الناقة أرسلها الله تعالى فتنة لثمود لكن ما أغنتهم.