نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بالكلام بما يسره الله عز وجل على الآيات التي انتهينا إليها من سورة القمر، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر قصة نوح على وجه مختصر، فقال جل وعلا: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر:9-14] .
قوله: {وَحَمَلْنَاهُ} أي: حملنا نوحاً وأهله إلا من سبق عليه القول منهم، وأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين ومن آمن معه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] ، حمله الله على ذات ألواح ودسر، أي: على سفينة (ذات ألواح ودسر) ، وكان نوح عليه الصلاة والسلام يصنعها فيمر به قومه فيسخرون منه، فيقول: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود:38-39] .
هذه السفينة وصفها الله بأنها {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ} [القمر:13] وألواح جمع منكر يدل على شيئين: الشيء الأول: كثرة ألواحها.
والشيء الثاني: عظمة هذه الألواح ومتانتها.
وحق لسفينة تحمل البشر على ظهرها أن تكون ذات ألواح ودسر، ذات ألواح عظيمة.
قوله: {وَدُسُرٍ} أي: مسامير، وقيل: إن الدسر ما تربط به الأخشاب، فيكون أعم من المسامير؛ لأن الأخشاب قد تربط بالمسامير وقد تربط بالحبال، فالمهم أن توثيق هذه الألواح بعضها ببعض كان قوياً، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى مادة صنع السفينة وأنها من الأخشاب والمسامير أو الروابط التي تربط بين تلك الأخشاب ليكون ذلك تعليماً للبشر أن يصنعوا السفن على هذا النحو.