Q أريد أن توضح لي قضية التكفير، التكفير المطلق والتكفير المعين؟
صلى الله عليه وسلم التكفير والتفسيق والتبديع كلها أوصاف مرتبة على معان إذا وُجِدت وُجِدت هذه الأوصاف، فإذا وجد السبب أو المعنى الذي من أجله يستحق من وجد فيه أن يوصف بهذا الوصف فإنه ينطبق عليه، فلا يجوز لنا أن نقول: فلان كافر حتى نتحقق من أمرين: الأمر الأول: ثبوت أن هذا العمل من الكفر، فإن لم نعلم وشككنا فالأصل أن المسلم باق على إسلامه ولا يحل أن نكفره، مثال ذلك: لو قال قائل: إن الذي يشرب الخمر كافر فهذا حرام، ما نقول كافر حتى نعلم أن الشرع نص على كفره.
والأمر الثاني: أن نتحقق من انطباق هذا الوصف على هذا الشخص، أي: انطباق هذا المعنى الذي علق عليه الشارع الحكم عليه بالتكفير، لابد أن نعلم أنه منطبق على هذا الشخص بحيث تتم فيه شروط التكفير، ومن الشروط أن يكون عالماً، وأن يكون قاصداً، فإن كان غير عالم فإننا لا نكفره؛ لأنه لم تقم عليه الحجة بعد، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] ، وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] إلى قوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ، والآيات في هذا المعنى متعددة، فإذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الشيء من الكفر فإننا لا نحكم بكفره.
الشرط الثاني: أن يكون الشخص مريداً لما قال من كلمة الكفر، أو لما فعل، فإن كان مكرهاً أو سبق لسانه على قول كلمة الكفر فإنه لا يكفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم -وذكر أنه- كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها فضاعت عنه وجعل يطلبها ولم يجدها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك استيقظ وخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذ به فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) كلمة: أنت عبدي وأنا ربك، كفر لكن هل قصدها؟ لا.
وإنما سبقت على لسانه، إذاً لابد من هذين الشرطين، العلم، والثاني: الإرادة والقصد، فإن لم يرد ولم يقصد فلا.
ومن ذلك أيضاً قصة الرجل الذي كان ظالماً لنفسه فجمع أهله وأمرهم أن يحرقوه إذا مات، وأن يذروه في اليم لئلا يعذبه الله فجمعه الله عز وجل وسأله: (لماذا فعلت هذا؟ قال: ربي خوفاً من عذابك، فغفر الله له) ، فإن هذا الرجل كان جاهلاً في كون الله تعالى يقدر على أن يجمعه ويحاسبه، إذاً لابد من أمرين: الأمر الأول: أن نعلم بأن هذا الشيء مكفر.
الأمر الثاني: أن نعلم انطباق الشروط أو إتمام الشروط على من قام به، فلابد من أن نعلم أن شروط التكفير قد انطبقت عليه، ومنها: العلم، والقصد، ولهذا يفرق بين كون المقالة أو الفعالة كفراً، وبين كون القائل لها أو الفاعل لها كافراً، قد تكون المقالة أو الفعالة كفراً، ولكن القائل لها أو الفاعل لها ليس بكافر لعدم انطباق الشروط عليه.
ومن ثم نحن نحذر غاية التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على قوم لم يتبين فيهم الشروط، أي: شروط التكفير؛ لأنك إذا كفرته فلازم تكفيرك إياه أن تشهد بأنه في النار، فأنت الآن شهدت بالحكم وبما يقتضيه الحكم، المسألة خطيرة جداً، ثم إن الحكم بالتكفير يستلزم بغضه والبراءة منه والبعد عنه وعدم السمع له والطاعة إن كان أميراً، وما أشبه ذلك مما يترتب على هذه المسألة التي يجب على الإنسان أن يكف لسانه عنها.