قال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} [النبأ:30] ، هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، أي: يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب، إهانة وتوبيخاً، فلن نزيدكم إلا عذاباً، ولن نخفف عنكم، بل ولن نبقيكم على ما أنتم عليه، لا نزيدكم إلا عذاباً، في قوته، ومدته، ونوعه، وقد قرأتم آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] ، تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه: أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم، لماذا؟ لأن الله قال لهم: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ، فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه، بل بواسطة.
ثانياً: أنهم قالوا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [غافر:49] ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتكلم أو تتحدث بإضافة ربوبية الله لهم، أي: بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا: (رَبَّكُمْ) .
ثالثاً: أنهم لم يقولوا: يرفع عنا العذاب، بل قالوا: يخفف؛ لأنهم آيسون -نعوذ بالله- آيسون من أن يرفع عنهم.
رابعاً: ثم انظر -أيضاً- هل قالوا: يخفف عنا العذاب دائماً؟ قالوا: {يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يوماً واحداً، يتبين لكم إذا تصورتم هذه الحال ما هم عليه من العذاب والهوان والذل: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] أعاذنا الله وإياكم منها.
ثم ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم؛ لأن القرآن مثاني، إذا ذكر فيه العقاب؛ ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب؛ ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير؛ ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق؛ ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء؛ وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف؛ وقع القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، لا الأمن من مكر الله، ولا القنوط من رحمة الله، لذلك تجدون القرآن يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة، والإسهاب فيها دون ما يقابلها، وهذا من بلاغة القرآن الكريم.