أما القيام؛ فكذلك لا يزال مشروعاً والحمد لله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما اشتهر أو تواتر عنه: (أن ربنا عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) ينزل إلى السماء الدنيا حقيقة كما نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، ولكن ليس نزوله كنزول المخلوق بل هو نزولٌ يليق بجلاله وعظمته لا ينافي كماله أبداً، فلا يلزم من نزوله إلى السماء الدنيا أن تكون السماء الثانية وما فوقها فوقه لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله تعالى له علو مطلق في كل حال، ولأنه سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، لكننا نؤمن بأنه نزول حقيقي مضافٌ إلى الله سبحانه وتعالى دون أن نتعرض للكيفية، ينزل سبحانه وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي كل مكانٍ بحسبه، قد يكون ثلث الليل هنا في المملكة وثلث النهار في بلادٍ أخرى، لكن لكل بلدٍ حكمه ينزل عز وجل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع هذا القرب من الله عز وجل مع قرب العبد من ربه وهو ساجد كما قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل بذلك قربان: قرب الرب عز وجل، وقرب الساجد، ولذلك ينبغي أن يكثر الإنسان في حال سجوده بالثلث الأخير من الليل من الدعاء؛ لأن ذلك أقرب إلى الإجابة بلا شك.
أقول: لا يزال القيام مشروعاً والحمد لله، القيام لا ينتهي برمضان، وفي كل ليلة.
وهناك عباداتٌ أخرى سببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات ليست خاصة بالصيام أو القيام في رمضان، لذلك أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرص قبل أن يفوت الأوان والإنسان لا يدري متى يفوت أوانه، كم من إنسان يمشي وسقط ميتاً، وكم من إنسانٍ على فراشه لم يوقظ إلا ميتاً، وكم من إنسان على طعامه لم يشبع حتى مات، وليس مع الإنسان وثيقة بأنه لا يموت إلا في وقتٍ معين.
فعلينا -أيها الإخوة- أن ننتهز الفرص ما دمنا في زمن الإمكان، والأمر سهل ولله الحمد، كل الإسلام من أوله إلى آخره كله يسير مسهل، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولم يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبعث الناس: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) كله سهل، لكن لما كان الخير له موانع من قبل النفس ومن قبل الشيطان؛ شيطان الإنس وشيطان الجن صار ثقيلاً على النفوس، ولكن اقرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:6-7] واسأل الله تعالى أن ييسرك لليسرى، فإن الله تعالى قريبٌ مجيب.
وإلى هنا ينتهي هذا القول الموجز الذي أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به، وننتقل إلى الأسئلة.