قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النجم:31] هذه الآية تدل على أمرين: الأمر الأول: عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض، ويؤخذ هذا العموم من قوله: (ما في السماوات) لأن (ما) للعموم.
والأمر الثاني: اختصاص ملك السماوات والأرض لله عز وجل، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر: (ولله ما في السماوات) والعلماء يقولون: إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم، وهذه قاعدة بلاغية لغوية، ولها أمثلة كثيرة: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] (إياك) هذه مفعول مقدم ذو جملتين: لنعبد ولنستعين، وحق المفعول أن يكون مؤخراً، لكنه قدم من أجل الاختصاص، ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا، فإذا قلت لشخص: إياك أردت، فهي ليس كقولك: أردتك؛ لأن إياك أردت يعني: ولم أرد غيرك، لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً.
المهم افهموا هذه القاعدة: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، يعني: اختصاص الشيء هذا لهذا الشيء.
إذاً: هل أحد يملك ما في السماوات والأرض؟ لا، إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض، ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله: ((لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)) [النجم:31] إذاً فمقتضى هذا الملك، أن يأمر وينهى، ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساءوا بما عملوا، ما معنى: الحسنى؟ الحسنى: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة.
أساءوا بما عملوا يعني: السيئة بمثلها فقط ولا زيادة، قال الله تبارك وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] وهذا في معاملات الخلق، وأما الخالق فقال عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] .