انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم:27] أكد الله هذا الخبر بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ} أكده بمؤكدين وهما: إن، واللام.
ومعنى: (لا يؤمنون بالآخرة) لا يصدقون بها ولا بما فيها من الثواب والعقاب؛ إذ أن الإيمان بالآخرة لا بد أن يكون إيماناً بأن هذا اليوم سيكون، وإيماناً بكل ما ثبت من حصوله فيه ووقوعه فيه، إما في القرآن وإما في السنة، حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله قال: (إن مما يدخل في الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذاب القبر ونعيم القبر) .
وصدق رحمه الله؛ لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته، انتهى من الدنيا، كأن لم يكن، فكما أنه أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً، فسيأتي عليه حينٌ من الدهر لم يكن إلا خبراً من الأخبار، كما قال الشاعر الحكيم في الدنيا:
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار
أنت الآن تخبر تقول: حصل كذا وحصل كذا، وقال فلانٌ: كذا، وفي يومٍ من الأيام سوف يخبر عنك: قال فلان كذا وأنت رمل.
إذاً الإيمان بالآخرة يتضمن الإيمان بوقوع اليوم الآخر وأنه لا بد كائن.
ثانياً: الإيمان بما سيكون في هذا اليوم من أهوال وحساب وموازين وصراط وجنة ونار، لا بد من هذا.
كذلك يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما يكون في القبر من فتنة القبر، وهي: سؤال الملكين الميت عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هل أحد من الناس لا يؤمن بالآخرة؟! نعم أكثر الناس لا يؤمنون بالآخرة، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال في الإنسان: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:77-78] ما أحسن قوله: (ونسي خلقه) قبل أن يقول مقالة هذا الإنسان! أي: هذا الإنسان قال: (من يحيي العظام وهي رميم) ونسي خلقه، ما هو خلقه؟ أنه لم يكن شيئاً، {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] فصار عظاماً وعصباً ولحماً وصار إنساناً ينطق ويخاصم: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79] وذكر الأدلة على إمكان ذلك.
المهم أن من الناس من ينكر اليوم الآخر يقول: ما في بعث! وهذا من سفه في عقله، وضلالة في دينه، وإلا فهل من الحكمة أن تخلق هذه الخليقة، وتبتلى بالأمر والنهي، ويحصل الجهاد وقتال الأعداء، واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم، ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا لا يمكن، وتأباه الحكمة أشد الإباء.
إذاً (الذين لا يؤمنون بالآخرة) سفهاء عقولاً، ضلالٌ ديناً.
{لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} أي: يجعلون الملائكة إناثاً كالمشركين! قالوا: الملائكة بنات الله، فسموا الملائكة بتسمية الأنثى وهي البنت؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، لو آمنوا بالعقاب ما قالوا هذا، لكنهم لا يؤمنون فيقولون ما يريدون.