الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح، التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به لقاءاتنا وهو تفسيرٌ يسير مما تيسر من كتاب الله عز وجل.
يقول الله تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} [النجم:1] .
البسملة آية مستقلة من كتاب الله تعالى، ليست تبعاً للسورة التي قبلها ولا التي بعدها، لكنها آية مستقلة، ولهذا لا تحسب من آيات السور، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وفي لفظٍ: (بأم القرآن) ورأينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بالبسملة حين يقرأ فاتحة الكتاب، وهذا يدل على أنها ليست منها؛ لأنها لو كانت منها لجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ثم إنه قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله تعالى: أنثى عليَّ عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولهذا لو قرأ الإنسان الفاتحة دون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأنها ليست منها، وعليه فإذا أورد علينا مُورِد سؤالاً: أليست البسملة في الفاتحة قد كتبت آية وكان رقمها واحداً؟ قلنا: بلى، ولكن هذا بناءً على قول آخر في المسألة وهو قولٌ ضعيف، فإذا قال: إذاً: تكون الفاتحة ست آيات إذا لم نعد منها البسملة؟ قلنا: ليس كذلك، بل هي سبع آياتٍ بدونها، فلنقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه الأولى، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الثانية، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الثالثة، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الرابعة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الخامسة، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} السادسة، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} السابعة، وبهذا تتناسب آيات الفاتحة لفظاً ومعنىً: أما لفظاً: فإنك إذا عددت ثلاث آيات من أولها والرابعة والخامسة وجدت أنها متقاربة في الكلمات، لكن لو جعلت: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} آية واحدة لم تكن الآيات متناسقة، بل كانت هذه الآية الطويلة بالنسبة لما قبلها، فإذا قسمناها إلى آيتين تساوت في الآيات أو تقاربت جداً.
أما من حيث المعنى فنقول: آيات الفاتحة سبع، ثلاثٌ لله وثلاث للعبد، وواحدة بينهما، الثلاث الآيات التي لله، هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] ، والآيات الثلاث التي للعبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] والآية التي بينهما هي الآية الوسطى من هذه السبع وهي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبهذا يتبين أنه يتعين أن تكون البسملة خارج عداد الفاتحة، وكذلك بقية السور.
فإن قال قائل: لماذا لم تكتب البسملة بين الأنفال وبراءة؟ قلنا: لأنها لم تنزل بينهما بسملة، ولو نزلت لكانت محفوظة ولكتبها الصحابة رضي الله عنهم.
فإن قال قائل: إذاً: لماذا يفصل بينهما؟ قلنا: لأن الصحابة رضي الله عنهما ترددوا، هل سورة البراءة بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا جعلوا فاصلة ولم يجعلوا بسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال.