قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48] (واصبر) النداء لمحمد عليه الصلاة والسلام، والصبر: هو حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقوله: (لحكم ربك) يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، أي: اصبر لما حكم به ربك من وجوب إبلاغ الرسالة وإن أصابك ما يصيبك، اصبر لحكم ربك الكوني القدري؛ وهو ما يقدره الله تعالى عليك من هؤلاء السفهاء، من السخرية والعدوان والظلم، ولقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم كما أوذي إخوانه من المرسلين أوذي إيذاءً عظيماً، جعل سلى الجزور على ظهره وهو ساجدٌ تحت الكعبة، في آمن مكان، رمي بالحجارة حين خرج إلى أهل الطائف حتى أدموا عقبه صلوات الله وسلامه عليه، ولم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، يلقون القاذورات والأنتان على عتبة بيته عليه الصلاة والسلام ويقول: أي جوارٍ هذا؟!! وهذا من امتثال أمر الله، حيث قال الله له: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور:48] أي: فإننا نراك بأعيننا ونراقبك ونلاحظك ونعتني بك، وهذا كما يقول القائل لمن أشفق عليه وأحبه: أنت في عيني، ومن المعلوم أن مثل هذا الأسلوب لا يعني أن مخاطبه حالٌ في عينه، بل المعنى: أنت مني على رقابة وحماية.
وفي هذه الآية: إثبات صفة العين لله عز وجل وهي حقيقة، لكنها لا تماثل أعين الخلق أبداً؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] .