ثم إن النكاح عقد عظيم خطير له شروط في ابتدائه وشروط في انتهائه ويترتب عليه أمور عظيمة، فمما يترتب عليه الصلة بين الناس، فإن الإنسان إذا تزوج من قوم صار كأنه قريبهم، ولهذا جعل الله المصاهرة قسيماً للنسب وللقرابة فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] ولذلك ترى الرجل لا يعرف هؤلاء القوم إلا بالذكر، فيتزوج منهم فيكون كأنه واحد منهم، حتى إنه يجري بينه وبين زوجته الميراث ويجري بينه وبين قرابتها من المحرمية ما هو معروف، ولذلك كان عقداً خطيراً مهماً، ومما ينبغي أن يتكلم في موضوع النكاح: أولاً: لابد في النكاح من شروط، من أهمها: الرضا، فلا يمكن أن يجبر الرجل على أن يتزوج امرأة معينة، ولا تجبر المرأة على أن تتزوج رجلاً معيناً بل لابد من الرضا، وبذلك يتبين جهل بعض العامة الذين يجبرون شبابهم على أن يتزوجوا بقريباتهم، فمثلاً يقول الرجل لابنه: لابد أن تتزوج بنت عمك، ويجبره على هذا إما بالقوة الحسية وإما بالقوة المعنوية بحيث يخجله لو خالفه، وهذا حرام عليه، حرام على الأب أن يجبر الولد على أن يتزوج ببنت عمه أو غيرها من النساء؛ لأن هذه مسائل خاصة بالإنسان نفسه.
ولا يجب على الابن أن يطيع أباه في ذلك، يعني: لو قال الأب: تزوج بنت عمك، وقال الابن: لا أريدها، فإنه لا يجوز للأب أن يجبره ولا يلزم الابن أن يطيعه، فإذا قال الابن: إن لم أطعه غضب عليَّ وهجرني وقاطعني فماذا أصنع؟ نقول: إذا فعل الأب هذا فالذنب عليه، وأنت ليس عليك شيء، بل هو الجاني وهو المعتدي وأنت يجب عليك أن تقوم ببره ولو جفاك ولو هجرك.
كذلك بعض الناس يجبر ابنته أن تتزوج من شخص معين، وهذا أيضاً لا يجوز، لا يجوز أن يجبرها ولو أجبرها فإن النكاح لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) بل نص على البكر والأب، فقال عليه الصلاة والسلام: (البكر يستأمرها أبوها) .
وما جرت به عادة بعض الناس من أنه يدخر ابنته لابن أخيه، حتى إنه يخطبها الخطاب ذوو الكفاءة في الدين والخلق ولكن يقول: أنا أريدها لابن عمها، هذا حرام ولا يجوز أن يحتكرها لابن أخيه، بل يجب عليه إذا خطبها من هو كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها ولا يمنعها؛ لأن هذا أمانة وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] فإن أجبرها بالقوة على أن تتزوج ابن أخيه أو غيره فالنكاح غير صحيح؛ لأنه نكاح عصي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وخولف فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود باطل، فالمرأة لا تحل للزوج الذي زوجت به وهي كارهة له، ولا يجوز إبقاء النكاح بينهما، لكن لو رضيت البنت بعد أن تم الزواج فهل رضاها ينسحب على العقد السابق ونقول: إن النكاح الآن صحيح؛ لأنها أجازته، أو لابد من تجديد العقد؟ الاحتياط أن يجدد العقد مرة أخرى، فيطلب من الزوج أن يبتعد عنها ويحضر شاهدان ويعقد له ويعود عليها بهذا العقد الجديد الاحتياطي.
ثانياً: ومن المهم في عقد النكاح الولي، فالمرأة لا تزوج نفسها حتى لو كانت من أعقل النساء، وحتى لو كانت ثيباً فإنها لا تزوج نفسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهذا نفي للصحة، يعني: لا يصح نكاح إلا بولي، ويشير إلى هذا قول الله تبارك وتعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] وهذا يدل على أن الولي له تأثير في عقد النكاح وعدمه، فلابد من أن يكون النكاح بولي، والولي: هو من يتولى أمرها من العصبات، فلا مدخل لذوي الأرحام في عقد النكاح، ولا لمن أدلى بأنثى في عقد النكاح، مثلاً: الأب ولي، والابن ولي، والأخ الشقيق ولي، والأخ لأب ولي، والعم الشقيق ولي، والعم لأب ولي، وابن العم الشقيق ولي، وابن العم لأب ولي، المهم أنهم من العصبات، أما الأخ من الأم فليس بولي؛ لأنه يدلي بأنثى، وعلى هذا إذا وجد امرأة لها أخ من أم ولها ابن عم بعيد فالذي يزوجها ابن عمها البعيد، أما العم لأم يعني: أخا أبيها من الأم هل له الولاية؟ لا؛ لأنه مدلٍ بأنثى، ويخطأ بعض الناس حيث يظن أن الجد من قبل الأم ولي أو أن الخال ولي أو أن الأخ من الأم ولي أو ما أشبه ذلك، هؤلاء ليس لهم ولاية النكاح إطلاقاً.
فالولي إذاً: من كان من عصباتها، لا من أدلى بأنثى.
ولكن يجب على الولي أن يتقي الله عز وجل في من ولاه الله عليها، فإذا خطبها من هو كفء زوجها إذا رضيت، وإذا خطبها من ليس بكفأ لم يزوجها حتى لو رضيت هي بهذا الرجل وهو ليس كفئاً بدينه، فإنه لا يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنه مسئول عنها، فلو خطبها من لا يصلي لا يزوجه، ولو خطبها من كان معروفاً بالفجور وبشرب الخمر وبالحشيش لا يزوجها، حتى لو رضيت هي وقالت: أنها تريد هذا الرجل فإنه لا يزوجها، لو قالت: لا تريد أن تتزوج بغيره هل يزوجها؟ لا، لا يزوجها، حتى لو ماتت وهي لم تتزوج فليس عليه إثم؛ لأن هذه أمانة يجب عليه أن يختار من هو كفء في دينه وخلقه؛ لأنه مؤتمن على هذه المرأة.