Q في الآونة الأخيرة كثيراً ما نرى ونسمع عن حالات انتكاس نسأل الله الثبات لنا ولكم فما هي في نظركم الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة، وما هي المقومات المعينة على الثبات، نرجو التوضيح؟
صلى الله عليه وسلم الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة، والانتكاسة والحمد لله ليست كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة، منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم وإيمان بالله عز وجل.
فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة؛ لأن القيادة المتهورة توقعه في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل، ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين؛ لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فلقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟ ما آمنوا، قال الله عنهم: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] هل في إمكانه أن يصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟ هذا ليس بالإمكان، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!! فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر إلى العواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟ والحمد لله لا ينهال عليها أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، ويأسف لهذا الشيء.
فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يكسر، لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء أول ما ينصب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟ لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحه يخاطب مباشرة، لكن المجامع والمساجد والمحافل الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون.
لنضرب مثلاً في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول: لماذا مكنتهم من ممارسة الربا؟ الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسئول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع التي هي البنوك؟ الناس، أحذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة؛ لأن الذي يقوم هذه البنوك من هم؟ الشعب، هم الذين يقومونه، فإذا رأى أصحاب البنوك الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلس وتضطر إلى السحب، والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً: أن البنوك ليست حراماً، لماذا؟ قالوا: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب فيكّون مصنعاً ويكّون مزرعة ويكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم، والله عز وجل نهانا عن الربا وقال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] وهذا ما فيه ظلم.
يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء شخص آخر يقول لك: من قال إن هذه الأوراق فيها ربا؟ هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟ نعم ما تدخل فليست ذهباً ولا فضةً، وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص الفقهاء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، وهي تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا، لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا بل نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم فيه ظلم، هذا ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي إليه بتمر جيد فقال: (ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: أوه -يعني توجع- عين الربا! عين الربا!) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟ ما فيها ظلم لماذا؟ لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين فليس هناك ظلم، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَّهْ! عين الربا) فبطلت حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم.
أيضاً: الذي يقول: هذه الأوراق ليست ذهباً ولا فضة؟ نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن (البدل له حكم المبدل) فبطلت هذه الحجة أيضاً.
لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرءون الكتب، ولها من يقرءون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا فهناك أشياء أخرى أيضاً.
ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية يجيز الغناء والمعازف؟!! هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم فما هو موقف الناس؟ ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع الزنا والخمر والحرير للرجال؛ لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقاربة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علم أنها حرام ما في إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره، لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح.
لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستون ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط، والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر بلاشك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط.
أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة: منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس له هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله.
ثانياً: الإكثار من العبادة.
الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] والذنوب سبب للانحراف، الذنب يأتي بالذنب، والصغير يأتي بالكبير، ولهذا قال بعض العلماء: المعاصي بريد الكفر.
يعني: ينزلها الإنسان منزلة منزلة حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله.
ثالثاً: مصاحبة الأخيار.
أن الإنسان يصاحب أهل الخير وأهل العلم والإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح بحامل المسك إما أن يحذيك يعني: يعطيك مجاناً، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وعكس ذلك جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
الرابع مما يوجب الثبات: أن ينظر الإنسان ماذا يحصل له من الثبات على الأمر وماذا يحص