في اليوم التاسع ينصرف الحجاج من منى إلى عرفة وينزلون إذا تيسر لهم في نمرة، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يستمروا في سيرهم إلى عرفة فيصلون فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع يكون جمع تقديم؛ من أجل أن يتسع الوقت للدعاء، ويتفرق الناس في مواقفهم، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع جمع تقديم في يوم عرفة لهذا السبب؛ أولاً: ليطول وقت الوقوف، وثانياً: ليتفرق الناس في مواقفهم؛ لأنهم لو تفرقوا قبل أن يصلوا العصر ما اجتمعوا على صلاة، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمع تقديم، ثم إن الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو متعين أو كل عرفة موقف؟ استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فأنت إذا وقفت في مكانك أديت السنة، ولا سيما في وقتنا الحاضر مع شدة الزحام والضياع الكثير لمن ذهب ليقف في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الأفضل أن يبقى في مكانه.
ثم اعلم أنك لو ذهبت إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم فأنت على خطر من الضياع ومن الجوع والعطش، ولن يتسنى لك أن تقف في ذلك الموقف إلى أن تغرب الشمس؛ لأنك لا بد أن تعود إلى رحلك قبل غروب الشمس وإلا لضعت بين هذه السيارات وفات الخشوع الذي يطلب من الإنسان في مثل هذه المشاعر، فالأفضل إذاً أن تقف في مكانك درءاً لهذه المفاسد أو لهذه المضارب.
في يوم عرفة يقف الناس في عرفة -بعد الصلاتين الظهر والعصر جمع تقديم- إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس، ودليل ذلك: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: (خذوا عني مناسككم) وهذا أمر أن نتأسى به.
ثانياً: لو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك أيسر وأرفق بالأمة حيث يدفعون نهاراً، وقد كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ونحن إذا قلنا: إن الأيسر أن تدفع في النهار وقد امتنع منه الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم أنه إثم؛ لأن من هديه أن يختار الأيسر ما لم يكن إثماً.
ثالثاً: أننا لو دفعنا قبل الغروب لكان في ذلك مشابهة بالمشركين ومخالفة لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشركين يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس، إذا كانت الشمس على رءوس الجبال كالعمائم على رءوس الرجال دفعوا.