أما الاعتكاف فإنه سنة ولكن ليس في رمضان كله بل في العشر الأواخر منه فقط؛ لأن المقصود بالاعتكاف: التعبد في لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، هذا هو المقصود تحرياً لليلة القدر، ودليل أن الاعتكاف من أجل التحري لليلة القدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يتحرى ليلة القدر؛ لأن ليلة القدر في رمضان ثم الأوسط وعند إكماله أي: الأوسط قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر كلها وترك الاعتكاف في العشر الأوسط وفي العشر الأول، ولم يعتكف في غير رمضان أبداً إلا سنة واحدة تأخر عن الاعتكاف في رمضان بسبب ثم قضاه في شوال.
فهمنا الآن أن الاعتكاف مشروع متى؟ في العشر الأواخر من رمضان فقط وليس مشروعاً كل وقت، وبه عرفنا خطأ قول بعض الفقهاء الذين يقولون: إنه ينبغي للإنسان إذا جاء إلى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه في المسجد، فإن هذا القول لا أساس له من الصحة، بل لو شئنا لقلنا إنه بدعة، والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتكف قط إلا في العشر الأواخر من رمضان (ولما التزم بعض الصحابة ألا يتزوج والثاني قال: أنا أقوم ولا أنام، والثالث قال: أنا أصوم ولا أفطر أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء وأن من رغب عن سنتي فليس مني) فمن رغب عن سنة الرسول واعتكف في غير رمضان قلنا: إنك مبتدع، الزم سنة الرسول، لو كان خيراً لكان الرسول أول من يفعله.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة حث على التقدم، قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنه) وذكر بقية الحديث، هل قال لمن تقدم يوم الجمعة: انو الاعتكاف لتحصل على فائدتين: على التقدم إلى المسجد، والاعتكاف؟ أبداً ما قاله، وهل تظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن نية الاعتكاف مما يقرب إلى الله في هذا الحال ولم يبلغها؟ معاذ الله! وحاشاه من ذلك.
إذاً لو كانت نية الاعتكاف عند المقام في المسجد مشروعاً ومحبوباً إلى الله لوجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغه عباد الله لقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] ولهذا نقول لمن قال: إذا دخلت المسجد تنوي الاعتكاف، نقول: هات برهانك، أين الدليل على هذا؟ بل الدليل على خلافه، هذا كلام مختصر على الصيام والقيام والاعتكاف.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يصوم رمضان ويقومه أيماناً واحتساباً، وأن يهيىء لنا من أمرنا رشداً إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.