ثالثاً: يسلم الكثير على القليل، أو القليل على الكثير؟ القليل، كالصغير مع الكبير، يسلم القليل على الكثير، أي: إذا تقابل جماعة خمسة وستة، من يسلم؟ الخمسة يسلمون على الستة؛ لأن الستة فيهم زيادة له حق -الزائد له حق- فيسلم القليل على الكثير، وإذا لم يفعلوا فليسلم الكثير على القليل لئلا تفوت السنة بينهم.
كذلك أيضاً الراكب والماشي تقابل رجلان أحدهما يمشي والثاني راكب في سيارته أو على بعيره، من الذين يسلم؟ يسلم الراكب على الماشي؛ لأن الراكب له علو فيسلم على الماشي؛ لأن السنة جاءت بهذا، الصاعد على النازل؟ أو النازل على الصاعد؟ الصاعد على النازل، لو أن اثنين التقيا في درجة سلم فإن الصاعد هو الذي يسلم على النازل.
وإذا لم تأت السنة ممن عليه أن يبدأ بها، فليبدأ بها الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) قال: خيرهما، فدل ذلك على أن من بدأ غيره بالسلام فهو خير، وهو كذلك؛ لأنك أنت إذا سلمت حصلت على عشر حسنات، ثم إذا رد صاحبك حصل على عشر حسنات، وما هو السبب الذي جعله يحصل العشر الحسنات؟ السبب البادئ، لولا أنك سلمت مارد فتكون أنت متسبباً لهذا الذي عمل عملاً صالحاً فلك أجره، ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً، قالوا: أيهما أفضل: ابتداء السلام، أو رد السلام؟ ابتداء السلام، أفضل، ثم أوردوا إشكالاً قالوا: كيف تكون السنة أفضل من الواجب، والقاعدة الشرعية: أن الواجب أفضل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه) .
أجابوا عن ذلك قالوا: هذا الإشكال جوابه أن هذا الواجب كان مبنياً على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب لمن أتى بها، ثواب أجره الخاص، وثواب أجر الراد الواجب.