تفسير قوله تعالى: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون)

قال تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:14] :- {ذُوقُوا} هذه جملة مقولٍ لقولٍ محذوفٍ، التقدير: يقال لهم: ذوقوا فتنتكم.

و {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} هذا أمر إهانةٍ وإذلالٍ، أي: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها.

{هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} لأنهم يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48] فيستعجلون بالقيامة استبعاداً لها، كما قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18] فيقال لهؤلاء: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ، ويقال لهم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:15-16] .

أنا أسألكم الآن: يفتنون على النار فيحترقون بها ويقال: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} ماذا تفهمون من هذا؟ أتفهمون أن في هذا عذاباً بدنياً وقلبياً؟ نعم؛ لأن الاحتراق عذابٌ بدنيٌ، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} .

{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} هذا توبيخٌ وإهانةٌ وإذلالٌ يكون به العذاب القلبي، فيُجمع لهم -والعياذ بالله- بين العذاب البدني، والعذاب القلبي، فتجده في أعلى ما يكون من الحسرة، فيتحسرون ويقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] .

ثم كان القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه المعاني الشرعية والخبرية، إذا ذكر الشيء ذكر ضده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015