الأمر الأول: إخلاص النية في طلب العلم: وذلك أن طلب العلم من العبادات، والعبادات لا بد فيها من أمرين: الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والإخلاص في طلب العلم يكون بأمور: الأمر الأول: أن ينوي العبد بطلب العلم امتثال أمر الله؛ لأن الله تعالى أمر بالعلم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري رحمه الله في ترجمة هذه الآية: بابٌ العلم قبل القول والعمل، ثم ساق الآية.
ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الله تعالى؛ لأن طلب العلم من أكبر وسائل حفظ الشريعة، فالشريعة كما تحفظ في الكتب المؤلفة كذلك تحفظ بطلب العلم الذي يتضمن معرفة الشريعة.
ثالثاً: أن ينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة وحمايتها من أعدائها، وذلك أن الشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر أعداء يصرحون بالعداوة، وأعداء لا يصرحون بالعداوة؛ ولكنهم يبطنون العداوة، وهؤلاء الأعداء أشد أثراً من النوع الأول؛ لأن النوع الأول يظهر العداوة ويمكن للإنسان أن يتحرز منه ويعرف ما عنده من الأمور التي يمكن إزالة الشبهة فيها؛ لكن المشكل إذا كان يبطن العداوة بظاهرِ صَدِيق أو بثوبِ صَدِيق، هذا لا يمكنك أن تعرف ما عنده حتى تجلوَه، ولا يمكن أن تعرف ما عنده حتى تحترز منه، فالشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر، إما في العقيدة، وإما في الأخلاق، وإما في الأفكار السيئة أو غير ذلك، فلا بد أن ينوي الإنسان بطلب العلم حماية الشريعة والذود عنها من أعدائها.
ومن ذلك أيضاً: أن ينوي الإنسان بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] ولا يمكن رفع الجهل عن النفس إلا بالتعلم، ولهذا تشعر الآن أنك إذا جلستَ مجلس علم أدركتَ في هذا المجلس ما ليس عندك سابقاً، اقرأ مثلاً كتاباً، تقرؤه من أوله تحصل على علم؛ لكن آخره لا تدري ما فيه، حتى تأتي إليه؛ لذلك يكون في طلب العلم رفع الجهل عن النفس.
ومن ذلك أيضاً: أن تنوي رفع الجهل عن غيرك؛ لأن الناس محتاجون إلى طلب العلم ومحتاجون إلى علماء يبصِّرونهم ويدلُّونهم على شريعة الله، ويحثونهم عليها، ويرهِّبونهم مما يخالفها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحَّت نيته، قالوا: كيف تصح النية؟ قال: ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.