ثم قال تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] ففصل الرأس عما قبله؛ لأن طهارته بالمسح وليست بالغسل، والحكمة من كونه مسحاً مشقة غسله لا سيما في أيام الشتاء، وفيما إذا كان له شعر كثير، فإنه يشق عليه وربما يضره، فلهذا خفف تطهير الرأس فكان بالمسح.
وفيه تخفيفٌ ثانٍ وهو: أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء، فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات، أما الرأس فلا يكرر.
وفيه تخفيفٌ ثالث وهو: أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة، فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أو لم يلبسها على طهارة، وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك؛ لأنه لا تحديد لها، ولا يشترط أن تلبس على طهارة؛ لأن ظاهر السنة عدم اشتراط ذلك.
ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات: الأول: أنه مسح لا غسل.
الثاني: أنه يمسح مرةً واحدة ولا يكرر.
الثالث أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه، كما جاءت به السنة.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت للعمامة كما وقَّت للخفين، الخفان على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر.
ولم يثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علل مسحها بأن يلبسها على طهارة، فـ المغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وعلى الخف، والخف قال فيه: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) .
والعمامة لم يذكر فيها ذلك، فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة، ولا يشترط لها مدة معينة، وقياسها على الجورب قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجورب ملبوس على عضوٍ يغسل، وأما العمامة فهي ملبوس على عضوٍ يمسح، وطهارته مخففة في الأصل.