Q تعلمون -بارك الله فيكم- ما يقوم به رجال الهيئة من أعمال -نسأل الله أن يعينهم على ذلك- إلا أن هناك أمراً هاماً ألا وهو الإحساس بالقسوة في القلب، فنرجو منكم -بارك الله فيكم- أولاً: الدعاء لهم، ثم كلمة توجهونها لهم في علاج هذا الأمر، حفظكم الله!
صلى الله عليه وسلم أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياهم على ما كلَّفنا به من الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسأل الله لهم التوفيق.
ولا شك أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي أعظم مرافق الدولة نفعاً للعباد ودفعاً للفساد، وهم كما يُعَبِّر بعض المعاصرين: هم الجندي المجهول الذي لا تُعْرَف قيمته إلا بفقده، والحقيقة أني أرى أنهم أنفع ما يكون للبلاد، وأنهم أشد ما يكونون حفاظاً على الأمن، يعني: هم أشد حفاظاً على الأمن من رجال الأمن المجندين.
لأن الأمن لا يمكن أن يستتب في البلاد إلا إذا قامت شرائع الله وشعائره في البلاد، واستقام الناس على دين الله، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] .
وقال عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام:82] ، فقرن الله الأمن بالإيمان، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] .
وأخبر الله عز وجل أنه إذا لم يكن أمر ولا نهي حصل التفرق، وإذا حصل التفرق في الأمة فلا تسأل عن الفوضى وعن التعادي والتباغض، يقول الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:104-105] .
فلما أمر بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:105] إشارة إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سببٌ للتفرق، وإذا تفرقت الأمة فلا تسأل عن حالها.
فالحقيقة: أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل مرافق الدولة، وأنه ينبغي بل يجب أن تُشَجَّع هذه الهيئات على إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يُجْعَل لها من الصلاحيات ما يُحْفَظ به الأمن ويُدْفَع به الفساد.
صحيحٌ أنه قد يوجد عند بعضهم غَيرة قوية توجب له أن يندفع وأن يتعسف وأن يفعل ما لا ينبغي أن يفعله؛ لكن هذا يمكن إصلاحه، يعني: نُصْلح هذا الذي حصل من الفساد ونُبْقي الأمر كما هو.
أما قسوة القلب تحصل للهيئات وغير الهيئات، حتى الإنسان نفسه يحس إذا جلس مجلس ذكر وموعظة وترقيق قلب يحس باللين والخشوع واستحضار ما أمامنا من المخاوف؛ عذاب القبر، يوم القيامة، وما أشبه ذلك، فيرق قلبه، ثم يخرج إلى سوقه، ومزرعته، وأهله، فينسى ذلك؛ لكن على الإنسان أن يكون دائماً ذاكراً لله عز وجل بقلبه وجوارحه، واقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ} لِمَن؟ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أصحاب العقول، فمن هؤلاء أصحاب العقول؟! هل هم كبراء السياسة؟! هل هم كبراء المال؟! لا.
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] إلى آخر ما ذكر الله من أوصاف.
فهذا هو الذي يجعل القلب يلين ويرق؛ أن يكون الإنسان دائماً يذكر الله عز وجل، ليس في النطق -اللسان- أهَمُّ شيء بالقلب، اذكر قول الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] لم يقل: من أغفلنا لسانه عن ذكرنا، الذكرُ حقيقةً ذكرُ القلب.
إذا كان الإنسان دائماً مع الله يذكر الله عز وجل، إن قام فبالله وفي الله، مستعيناً بالله تعالى، قائماً تعبداً له وخشية له، يجد خيراً كثيراً في هذا.