لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم انقطاع العمل إلا بالموت, ولننظر هل لهذه الأيام وظائف يقوم بها العبد تقرباً إلى الله عز وجل؟ نقول: نعم.
فمثلاً: انتهى شهر الصيام هل انتهى الصوم؟ الصوم لا يزال مشروعاً -والحمد لله- في كل وقت, وأعلاه وأفضله ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً, وهذا هو صيام داود, ثم يليه بعد ذلك ما كان أكثر فأكثر, ومن هذا صيام أيام الست من شوال, قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) .
وهذه الأيام لا يدرك فضلها إلا إذا أتم الإنسان رمضان كاملاً, وعلى هذا فمن كان عليه قضاء وصامها قبل القضاء فإنه لا ينال الثواب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورتبه على صيام رمضان كاملاً, (من صام رمضان ثم أتبعه) .
ويتبين هذا بالمثال: لو أن إنساناً عليه خمسة أيام من رمضان, ثم أخر قضاءها وصام الأيام الستة قبلها, فهل يقال: إنه صام رمضان؟ لا, يقال: إنه صام خمسة وعشرين يوماً من رمضان, فلا بد من صيام رمضان كاملاً حتى ينال أجرها, وهذا ليس مبنياً على خلاف العلماء رحمهم الله في جواز التنفل بالصوم قبل القضاء, بل هذه مسألة مستقلة بين الرسول عليه الصلاة والسلام حكمها, وأن صيام ستة أيام من شوال بمنزلة الراتبة التي تكون بعد الصلاة المفروضة.
أما التطوع بغير الست بالصوم قبل القضاء فهذا محل نزاع بين العلماء، فمنهم من أجازه، ومنهم من قال: إنه لا يجوز أن يصوم تطوعاً حتى يؤدي الفريضة, وهذا أحوط وأولى بالمرء وأحق بالعمل؛ لأنه ليس من الخير أن تبدأ بالنفل وتدع الواجب, فالواجب أهم, إذ أنك لو مت لكان ديناً في ذمتك, لكن النفل إن فعلته فهو خير, وإن لم تفعله فليس عليك إثم ولا حرج.
ومن ذلك أيضاً أي: من الصيام المشروع: أن يصوم الإنسان من كل شهر ثلاثة أيام, سواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره, لكن الأفضل أن تكون في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
ومن ذلك: أنه ينبغي للإنسان أن يصوم يوصى الإثنين والخميس, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومهما ويقول: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) .
ومنها: صوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة لغير الحاج, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) .
وكذلك: صيام بقية الأيام العشرة من أول ذي الحجة إلى يوم التاسع, فإن الصوم فيها له مزية على غيرها من الأيام, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) والصيام من العمل الصالح بلا شك.
ومما ينبغي صومه: صوم يوم العاشر من المحرم والتاسع معه أو الحادي عشر أو الثلاثة جميعاً، التاسع والعاشر والحادي عشر, أو صوم غالب شهر محرم.
ومن الصيام المشروع أيضاً: صيام شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله أو يصومه إلا قليلاً منه, كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها.