ثم قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] هذا كالتعليل لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة, الطائفتان المقتتلتان كلهم إخوة, ونحن أيضاً إخوة لهم, حتى مع الاقتتال, فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والكافر ليس أخاً للمؤمن؟ فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر, فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً, فهنا صرح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا, مع أن قتال المؤمن كفر, فيقال: هذا كفر دون كفر, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب, والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكفران كفراً أكبر, فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة, وكفر لا يخرج عن الملة.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر لقوله: (إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] أي: اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به, وتتركوا ما نهاكم عنه, لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى, وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه, (لعلكم ترحمون) أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.