قال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وفي قراءة: (مَلِكِ يوم الدين) فمالك اسم فاعل, وملك صفة مشبهه, ويقال في الأول: مِلْك, ويقال في الثاني: مُلْك, أي: المُلْك للمَلِك, والمِلْك للمَالِك, فتقول مثلاً: هذه الساعة مِلك فلان, وتقول في مملكة تحت مَلك, تقول: هذه مملكة مُلْك فلان, المَلِك والمالِك قراءتان سبعيتان صحيحتان, يجوز للإنسان أن يقرأ بهما, يقرأ بهذه مرة وهذه مرة في الصلاة وخارج الصلاة, إلا أنه لا ينبغي أن نقرأ بقراءة تخرج عن المصحف أمام العوام؛ لأن ذلك يحدث فتنة, فإن ذلك قد يقلل من هيبة القرآن في نفس العامي, أو قد ينكر العامي بقلبه أو لسانه على هذا الذي قرأ بقراءة لا يعرفها, ولهذا ينبغي لطلبة العلم ألا يقرءوا بالقراءة الخارجة عن المصحف الذي بين أيدي الناس؛ لما ذكرنا من أنه قد يكون سبباً لاستهانة العامة بالقرآن, أو سبباً للطعن في هذا القارئ وأنه لا يستطيع أن يقرأ.
المهم: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي: أن الله عز وجل هو المتصرف في ذلك اليوم, لا أحد يتصرف في ذلك اليوم أبداً, لو كان يستطيع أن يتصرف لأوجد له ظلاً من حر الشمس, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) فهو الذي يخلق عز وجل ظلاً في ذلك الوقت على من استحقه, كالسبعة الذين يظلهم الله في ظله, وقد جاء في الحديث: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) .
كذلك هو مَلِك يوم الدين, لا مُلك لأحد معه, كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] فيجيب نفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] أي: ملوك الدنيا مهما عظم ملكهم واتسع وقوي سلطانهم فإنه يتلاشى من حين يموت السلطان سواء كان باسم السلطان أو باسم الملك أو باسم الرئيس فإنه يزول ذلك بمجرد موته, وما يفعل من بعده من تعظيم قبره أو زرع الأزهار عليه أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينتفع به إطلاقاً, لماذا؟ لأنه مات وزال ملكه, في يوم القيامة أيضاً لا ملك إلا لله وحده جل وعلا, فلهذا قال: (مَلك) أو (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) .
فإن قال قائل: ما معنى: (يَوْمِ الدِّينِ) ؟ قلنا: (يوم الدين) أي: يوم القيامة؛ لأنه الذي يدان فيه العباد أي: يجازون على أعمالهم, والدين يكون بمعنى الجزاء كما في هذه الآية, ويكون بمعنى العمل كما في قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] .
فهذه ثلاث آيات كلها لله عز وجل.