يقول الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وهذا رد على قوله -أي: قول أبي لهب - حينما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى الله, فبشر وأنذر, قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! هذه الإشارة للتحقير, أي: هذا أمر حقير لا يحتاج أن يجمع له زعماء قريش, وهذا كقولهم: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] أي: يعيبها ويسبها -يعنون الرسول- قريش تقول: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] والمعنى: للتحقير ليس فيه شيء ولا يهتم بهم, كما قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] .
فالحاصل: أن أبا لهب قال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فرد الله عليه بهذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] والتباب الخسار, كما قال تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر:37] أي: خسار, وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلة العند والحركة والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك, وهذا اللقب أبو لهب لقب مناسب تماماً في حاله ومآله.
وجه المناسبة: أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى -والعياذ بالله- لهباً عظيماً, فكنيته مطابقة لحاله ومآله, ويقول الشاعر:
وقل أن أبصرت عينك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا سهيل بن عمرو وما أراه إلا سهل لكم من أمركم) لأن الاسم مطابق للفعل.
يقول الله عز وجل: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] (ما) يحتمل أن تكون استفهامية, والمعنى: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!
صلى الله عليه وسلم لا شيء, ويحتمل أن تكون ما نافية أي: لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً, وكلا المعنيين متلازمان, ومعناهما: أن ماله وما كسب لم يغن عنه شيئاً, ومع أن العادة أن المال ينفع, المال يأتي به الإنسان نفسه, لو تسلط عليه عدو وقال: أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني, سيطلقه، لكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً, لو مرض انتفع بماله, لو جاع انتفع بماله, فالمال ينفع, لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار ليس بنفع.